[٣/ ٩٨٧] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن أبي مسعود، أو حذيفة بن اليمان، قال:
سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا".
قال الإِمام أبو سليمان الخطابي فيما رويناه عنه في معالم السنن: أصلُ هذا الحديث أن الرجلَ إذا أرادَ الظعن في حاجة والسير إلى بلد ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته، فشبّهَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يقدِّمُ الرجلُ أمامَ كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم:(زعموا) بالمطيّة، وإنما يُقال:(زعموا) في حديث لا سند له ولا ثبت، إنما هو شيء يُحكى على سبيل البلاغ، فذمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيلُه، وأمر بالتوثق فيما يحكيه والتثبت فيه، فلا يَرويه حتى يكون معزوًّا إلى ثبت، هذا كلامُ الخطابي، والله أعلم.
٣٣٤ ـ بابُ التعريض والتورية
اعلم أن هذا الباب من أهمّ الأبواب، فإنه مما يكثرُ استعمالُه وتعمُّ به البلوى، فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأملَه ويعملَ به، وقد قدَّمنا في الكذب من التحريم الغليظ، وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا البابُ طريقٌ إلى السلامة من ذلك. واعلم أن التوريةَ والتعريضَ معناهما: أن تُطلقَ لفظًا هو ظاهرٌ في معنى وتريدُ به معنىً آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلافُ ظاهره، وهذا ضربٌ من التغرير والخداع. قال العلماء: فإن دعتِ إلى ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ على خداعِ المخااطب أو حاجة لا مندوحةَ عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض، وإن
[٩٨٧] أبو داود (٤٩٧٢)، قال ابن علاّن: ورواه الإِمام أحمد وأبو داود عن حذيفة؛ أي من غير شك. وفي سنده: أبو قلابة: عبد الله بن زيد الجَرْمي البصري، وهو لم يسمع من حذيفة وأبي مسعود، فالحديث مرسل.