أشرت به كفاية لمن وفّق، وسيأتي إن شاء الله في باب الغيبة جُمَل من ذلك، وبالله التوفيق.
وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرة، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن ننبّه على عيونٍ (١) منها:
بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أنن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان.
وروينا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي الله عنه قال: مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه.
وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه الله لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها.
وروينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما من شيء أحقُّ بالسجن من اللسان. وقال غيرُه: مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثقه عَدَا عليك.
وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله في رسالته المشهورة قال: الصمتُ سلامةٌ وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال؛ كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال، قال: سمعت أبا عليّ الدقاق رضي الله عنه يقول: مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانٌ أخرس. قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السموتَ فلِمَا علموا ما في الكلام من
(١) كذا في الأصول، وفي النسخ المطبوعة "على عيوب" وهو تصحيف ظاهر