للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء (١): إذا وقع في قلبك ظنّ السوء فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تُكذِّبه فإنه أفسقُ الفسّاق، وقد قال الله تعالى: {إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا على ما فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:٦] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هنناك قرينة تدل على فساد واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظنّ؛ ومن علامة إساءة الظنّ أن يتغيَّر قلبُك معه عمّا كان عليه، فتنفرُ منه وتستثقله وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيّئته، فإنَّ الشيطانَ قد يقرِّبُ إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوىءَ الناس، ويُلقي إليه أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظر بنور الله تعالى، وإنما هو على التحقيق ناطقٌ بغرور الشيطان وظلمته، وإن أخبرَكَ عدلٌ بذلك فلا تُصدِّقه ولا تُكذِّبه لئلا تُسيءَ الظنّ بأحدهما؛ ومهما خطرَ لك سوءٌ في مسلمٍ فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ ويدفعُه عنك فلا يُلقي إليك مثلَه خِيفةً من اشتغالك بالدعاء له، ومهما عرفتَ هفوةَ مسلم بحجّةٍ لا شكّ فيها فانصحْه في السرّ ولا يخدعنَّك الشيطانُ فيدعوك إلى اغتيابِه، وإذا وعظتَهُ فلا تعِظْه وأنت مسرورٌ باطّلاعِك على نقصِه فينظرُ إليك بعين التعظيم وتنظرُ إليه بالاستصغار، ولكن اقصدْ تخليصَه من الإِثم وأنت حزينٌ كما تحزنُ على نفسك إذا دخلَك نقصٌ، وينبغي أن يكون تركُه لذلك النقص بغير وعظك أحبّ إليك من تركه بوعظك. هذا كلام الغزالي.

قلت: قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوء الظن أن يقطعَه، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكر في ذلك مصلحةٌ شرعية، فإذا دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته والتنقيب عنها كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في باب ما يُباح من الغيبة.


(١) إحياء علوم الدين ٣/ ١٤٧ـ١٤٨ باختصار وتصرّف يسير

<<  <   >  >>