للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم، فأما وهي جاهلة بمعاني ما فيها من الكلام والمنطق؛ فمحال أمرها بما دلت عليه معاني ما حوته من الأمثال والعبر، بل سواء أمرها بذلك وأمر بعض البهائم به، إلا بعد العلم بمعاني المنطق والبيان الذي فيها.

فكذلك ما في آي كتاب الله، من العبر والحكم والأمثال والمواعظ، لا يجوز أن يقال: اعتبر بها، إلا لمن كان بمعاني بيانه عالمًا، وبكلام العرب عارفًا، وإلا بمعنى الأمر لمن كان بذلك منه جاهلًا، أن يعلم معاني كلام العرب، ثم يتدبره بعد، ويتعظ بحكمه وصنوف عبره.

فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله جل ثناؤه، قد أمر عباده بتدبره، وحثهم على الاعتبار بأمثاله، كان معلوما أنَّه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلًا.

وإذا لم يجز أن يأمرهم بذلك، إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه الذي قد قدمنا صفته آنفا عارفون» (١).

وعليه، فيمكن التفريق بين التدبر والتفسير من عدة وجوه:

١ - أنَّ التفسير هو كشف المعنى المراد في الآيات، والتدبر هو ما وراء ذلك من إدراك مغزى الآيات ومقاصدها، واستخراج دلالاتها وهداياتها، والتفاعل معها، واعتقاد ما دلت عليه وامتثاله.

٢ - أنَّ التدبر أمر به عامة الناس للانتفاع بالقرآن والاهتداء به، ولذلك خوطب به ابتداءً الكفار في آيات التدبر، والناس فيه درجات بحسب رسوخ العلم والإيمان وقوة التفاعل والتأثر.


(١) جامع البيان: (١/ ٧٦).

<<  <   >  >>