للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن أبي هريرة: أن رسول الله قال: «لا حسدَ إلا في اثنتين: رجل علَّمَهُ الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالًا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» (١).

«ومضمون هذين الحديثين أنَّ صاحب القرآن في غبطة، وهي حُسْنُ الحال، فينبغي أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غَبَطَه يَغْبِطُهُ غبطًا؛ إذا تمنَّى مثل ما هو فيه من النعمة، وهذا بخلاف الحسد المذموم، وهو تمنِّي زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا، وهذا مذموم شرعًا مهلك، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام.

والحسد الشرعي الممدوح هو تمنِّي حال مثل ذاك الذى هو على حالة سارة، ولهذا قال : (لا حسد إلا في اثنين)، فذكر النعمة القاصرة وهو تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩]» (٢).

وقد ضرب النبي أروع الأمثال لإيضاح المقاصد، دافعًا إلى المداومة على قراءة القرآن، ومن ذلك ما جاء عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله : «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب


(١) رواه البخاري (٥٠٢٦).
(٢) فضائل القرآن، ابن كثير: (٢٠١).

<<  <   >  >>