للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يوسف: ١٠٦]، قال ابن عباس وغيره: تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولن الله، وهم مع هذا يعبدون غيره.

وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به كل الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر الذي لا يغفره الله، بل لابد أن يخلص لله الدين والعبادة، فلا يعبد إلا إياه، ولا يعبده إلا بما شرع، فيكون دينه كله لله.

والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب، وكونه يستحق الإلهية مستلزم لصفات الكمال، فلا يستحق أن يكون معبودا محبوبا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد، كما قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢].

ثم إن طائفة ممن تكلم في تحقيق التوحيد على طريق أهل التصوف ظن أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن، واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ولم يفرقوا بين مشيئته الشاملة لجميع المخلوقات، وبين محبته ورضاه المختص بالطاعات، وبين كلماته الكونيات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجر لشمول القدرة لكل مخلوق، وكلماته الدينيات التي اختص بموافقتها أنبياؤه وأولياؤه.

فالعبد مع شهوده الربوبية العامة الشاملة للمؤمن والكافر والبر الفاجر عليه أن يشهد ألوهيته التي اختص بها عباده المؤمنين، الذين عبدوه وأطاعوا أمره واتبعوا رُسُله، قال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ