الله تعالى: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: ٩٨]، ولا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له، ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر، فتستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعونتهم، ويتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة. انتهى.
قال في (الفروع): وذكر ابن الجوزي أنها تجب عليه -يعني على هذا الضرب الأخير- قال: وأطلق ذلك. انتهى.
قلت: وهذا الذي ذكره ابن الجوزي جيد قوي، يدل عليه ظاهر القرآن والأحاديث الآتية.
أما القرآن فإن الله تعالى لم يعذر عن الهجرة إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ولو كان للقوي القادر على إظهار دينه في دار الكفر عذر لعذره الله تعالى كما عذر المستضعفين، وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢]، فقطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر، فدل على أنه لا عذر إلا للمستضعفين الذين نص عليهم في سورة النساء.
وأما الأحاديث: فالأول ما رواه أبو داود في سننه، عن سمرة بن جندب