وأما استدلال صحاب المقال على رأيه بالآيات الأربع المذكورات مع كلامه في أول الفصل الذي قبل هذا الفصل، فهو استدلال غريب لا نعلم أن أحدًا من أئمة التفسير سبقه إليه؛ لا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من أئمة العلم والهدى من بعدهم، إذ ليس أحد منهم يرى مسالمة الكفار ومتاركتهم بدون جزية يبذلونها للمسلمين إن كانوا من أهل الجزية، أو مهادنة يعقدها المسلمون بينهم وبين أعداء الله، وإنما يرى ذلك صاحب المقال وأشباهه من المتأثرين بالحرية الإفرنجية والقوانين الدولية، الحائمين حول إبطال الجهاد في سبيل الله بالكلية، فلذلك يحملون الآيات على غير محاملها وما يراد بها، ويتأولونها على غير تأويلها المأثور عن علماء التفسير من أكابر السلف وأئمة الخلف، وليس لصاحب المقال في الآيات المذكورات ما يتعلق به.
أما على قول من قال بنسخهن، ونسخ ما أشبههن بآية السيف التي في سورة براءة فظاهر، وقد تقدم ما نقله البغوي عن الحسين بن الفضل في ذلك، وما نقله ابن كثير عن ابن عباس ﵄، والضحاك بن مزاحم.
وأما على قول من لم ير النسخ فإحكام هذه الآيات معروفة عند علماء السنة سلفًا وخلفًا، وليس فيها ما يوافق رأي صاحب المقال وأشباهه.
فأما الآية الأولى وهي قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] فقد ذكر ابن كثير وغيره فيها قولين عن العلماء: