للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي مسند الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت أنه قال لرجل من أصحابه: يوشك إن طالت بك الحياة أن ترى الرجل قد قرأ القرآن على لسان محمد فأعاده وأبداه، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، ونزل عند منازله، لا يجوز فيكم إلا كما يجوز الحمار الميت، ومثله قول ابن مسعود : يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأَمَة، وإنما ذُلّ المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم ومقصوده لمقصودهم، ومباينته لما هم عليه. انتهى المقصود من كلام ابن رجب رحمه الله تعالى.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ﴾ الآية [هود: ١١٦]: الغرباء في هذا العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في هذه الآية وهم الذين أشار إليهم النبي في قوله: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس»، وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» قيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»، فأهل الإسلام بين أكثر الناس غرباء، وأهل الإيمان بين أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين تميزوا بها عن أهل الأهواء والبدع فيهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين لهم أشد غربة، ولكن هؤلاء هم أهل