الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٦ - ٧]؛ وفي معنى هذه الآية أقوال أقربها قول قتادة: يمنعون زكاة أموالهم. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير. انتهى.
ولفظة "الإيتاء" وهو إعطاء الغير تدل على ذلك، كما هو مُطَّرد في القرآن في مواضع كثيرة.
قال الراغب الأصفهاني: الإيتاء: الإعطاء، وخص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو: ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [الحج: ٤١]، ﴿وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾ [النور: ٣٧]. انتهى.
فإن قيل: إن الآية مكية، والزكاة إنما فرضت بعد الهجرة إلى المدينة.
فالجواب: ما قاله البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره: إنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾، فالسورة مكية، وظهر أثر الحل يوم الفتح، حتى قال ﵊:«أحلت لي ساعة من نهار»، وكذلك نزل بمكة: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، قال عمر بن الخطاب ﵁: كُنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي ﷺ يثب في الدرع ويقول:«﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾». انتهى.
قلت: فكذلك هذه الآية؛ هي -والله أعلم- مما نزل سابقا وتأخر حكمه، ومثلها قوله تعالى: ﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، وهي الزكاة المفروضة، كما قاله أكابر المفسرين؛ فهذه الآية مكية،