وتقديم العقول والآراء عليها فإن الإسلام كان في ظهور وقوة، وسوق الحديث نافقة، وأعلام السنة على ظهر الأرض، ولكن كانوا على ذلك يحومون، وحوله يدندنون، وأخذوا الناس بالرغبة والرهبة، فمن بين أعمى مستجيب، ومن بين مكره مفتد منهم بإعطاء ما سألوه وقلبه مطمئن بالإيمان، وثبّت الله أقواما جعل قلوبهم في نصر دينه أقوى من الصخر وأشد من الحديد، فأقامهم لنصر دينه، وجعلهم أئمة يقتدي بهم المؤمنون لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون، فإنه بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤]، فصبروا من الجهمية على الأذى الشديد، ولم يتركوا سنة رسول الله ﷺ لما رغبوهم به من الوعد ولا لما أرعبوهم به من الوعيد، ثم أطفأ الله برحمته تلك الفتنة، وأخمد تلك الكلمة، ونصر السنة نصرا عزيزا، وفتح لأهلها فتحا مبينا، حتى صرخ بها على رؤوس المنابر، ودعي إليها في كل باد وحاضر، وصنف في ذلك الزمان في السنة ما لا يحصيه إلا الله.
ثم انقرض ذلك العصر وأهله، وقام بعدهم ذريتهم يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله على بصيرة، إلى أن جاء ما لا قبل لأحد به وهم جنود إبليس حقا؛ المعارضون لما جاءت به الرسل بعقولهم وآرائهم؛ وهم القرامطة، والباطنية، والملاحدة؛ ودعوهم إلى العقل المجرد، وأن أمور الرسل تعارض المعقول، فهم القائمون بهذه الطريقة حق القيام بالقول والفعل، فجرى على الإسلام وأهله منهم ما جرى، وكسروا عسكر الخليفة مرارا