للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلمًا وجورًا، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقًا فوق إرهاق، فغُلَّت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بورًا شديدًا، وأهملت الزراعة أي إهمال.

وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحبُ الرسالة الناسَ سجفًا من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل، وهتكت ستر الحرمات على غير خشية واستحياء، ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه الله تعالى وفرضه النبي على من استطاعه ضربا من المستهزءات، وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطًا بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يدهى الإسلام، لغضب وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يُلعن المرتدون وعبدة الأوثان.