* ثم سهلَ تسهيلًا آخرَ فقال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وذلكَ للمشقةِ غالبًا، رخَّصَ اللهُ لهما في الفطرِ، ولما كان لابدَّ من تحصيلِ العبدِ لمصلحةِ الصيامِ أمرَهما أنْ يقضياهُ في أيامٍ أخرَ، إذا زالَ المرضُ، وانقضَى السفرُ، وحصلَتِ الراحةُ.
وفي قولهِ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾: دليلٌ على أنهُ يقضِي عددَ أيامِ رمضانَ كاملًا كان أو ناقصًا، وعلى أنهُ يجوزُ أنْ يقضِيَ أيامًا قصيرةً باردةً عن أيامٍ طويلةٍ حارةٍ، كالعكسِ.
وبهذا أجَبْنا عن سؤالٍ وردَ علينا: أنهُ يوجدُ مسلمونَ في بعضِ البلادِ التي يكونُ في بعضِ الأوقاتِ ليلُها نحوَ أربعِ ساعاتٍ أو تنقصُ، فيوافقُ ذلكَ رمضان، فهلْ لهم رخصةٌ في الإطعامِ إذا كانوا يعجزونَ عن تتميمِها؟
فأجَبْنا: أنَّ العاجزَ منهم في هذا الوقتِ يؤخرهُ إلى وقتٍ آخرَ يقصرُ فيه النهارُ، ويتمكنُ فيه من الصيامِ، كما أمرَ اللهُ بذلكَ المريضَ، بل هذا أولى، وأنَّ الذي يقدرُ على الصيامِ في هذهِ الأيامِ الطوالِ يلزمهُ، ولا يحلُّ لهُ تأخيرُهُ إذا كان صحيحًا مقيمًا، هذا حاصلُ الجوابِ.
* قيلَ: هذا في أولِ الأمرِ، وفي ابتداءِ فرضِ الصيامِ، لما كانوا غيرَ معتادينَ للصيامِ، وكان ابتداءُ فرضهِ حتمًا فيه مشقةٌ عليهم؛ درجَهم الربُّ الحكيمُ بأسهلِ ما يكونُ، وخيَّرَ المطيقَ للصومِ بينَ: أنْ يصومَ وهوَ الأفضلُ الأكملُ، أو يطعمَ ويجزيهِ، ثملما تمرنُوا على الصيامِ وكان ضروريًّا على المطيقينَ فرضَهُ عليهم حتمًا.