* ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧] أي: عقدَهُ وأحرمَ بهِ؛ لأنَّ الشروعَ فيه يُصيِّرُهُ فرضًا ولوْ كان قبلَ ذلكَ نفلًا.
واستدلَّ بهذهِ الآيةِ الشافعيُّ ومَن قالَ بقولهِ، أنهُ لا يجوزُ الإحرامُ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ. ولوْ قيلَ: إنَّ الآيةَ فيها دلالةٌ -لقولِ الجمهورِ بصحةِ الإحرامِ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ- لكان قريبًا؛ لأنَّ قولَهُ: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ دليلٌ على أنهُ يقعُ الفرضُ فيهنَّ وفي غيرهنَّ، وإلَّا لما كان في القيدِ فائدةٌ.
* ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ أي: يجبُ عليكم أنْ تعظمُوا حرمةَ الإحرامِ بالحجِّ، وخصوصًا الواقعَ في أشهرهِ، وتَصُونوهُ عن كلِّ ما يفسدُهُ أو ينقصُهُ من الرفثِ وهوَ: الجماعُ ومقدماتهُ الفعليةُ والقوليةُ، خصوصًا التكلمَ في أمورِ النكاحِ بحضرةِ النساءِ.
* ﴿وَلَا فُسُوقَ﴾ وهوَ: جميعُ المعاصي، ومنها محظوراتُ الإحرامِ.
* ﴿وَلَا جِدَالَ﴾ والجدالُ هوَ: المماراةُ والمنازعةُ والمخاصمةُ؛ لكونِها تثيرُ الشرَّ وتوقِعُ العداوةَ، والمقصودُ من الحجِّ الذلُّ والانكسارُ للهِ، والتقربُ إليهِ بما أمكنَ من القرباتِ، والتنزهُ عن مقارفةِ السيئاتِ، فإنهُ يكونُ بذلكَ مبرورًا، «والحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلا الجنةُ» (١). وهذهِ الأشياءُ وإن كانت ممنوعةً في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فإنهُ يتأكدُ المنعُ منها في الحجِّ.
* واعلَمْ أنهُ لا يتمُّ التقربُ إلى اللهِ بتركِ المعاصِي حتى يفعلَ الأوامرَ؛ فلهذا أتبعَهُ بقولهِ: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾، أتَى ب ﴿مِنْ﴾ المفيدةِ لتنصيصِ العمومِ؛ فكلُّ عبادةٍ وقربةٍ فإنها تدخلُ في هذا.
(١) كما جاء في حديث النبي ﷺ عند البخاري (١٧٧٣)، ومسلم (٢٨٨٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute