للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإخبارُ بعلمهِ يتضمَّنُ الحثَّ على أفعالِ الخيرِ، خصوصًا في تلكَ البقاعِ الشريفةِ والحرماتِ المنيفةِ، فإنهُ ينبغِي اغتنامُ الخيراتِ والمنافسةُ فيها: من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وقراءةٍ، وطوافٍ، وإحسانٍ قوليٍّ وفعليٍّ.

* ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ لهذا السَّفرِ المباركِ؛ فإنَّ التزودَ فيه الاستغناءُ عن الخَلقِ، وعدمُ التشوفِ لما عندَهم، وإعانةُ المسافرينَ، والتوسعةُ على الرفقةِ، والانبساطُ والسرورُ في هذا السفرِ، وزيادةُ التقربِ إلى اللهِ تعالى.

وهذا الزادُ المرادُ بهِ إقامةُ البنيةِ بُلْغَةٌ ومَتاعٌ، وأمَّا الزادُ الحقيقيُّ المستمرُّ نفعهُ لصاحبهِ في دنياهُ وأخراهُ فهوَ زادُ التقوى الذي هوَ زادٌ إلى دارِ القرارِ، وهوَ الموصلُ لأكملِ لذةٍ وأجلِّ نعيمٍ دائمًا أبدًا؛ ومَن ترَكَ هذا الزادَ فهوَ المنقطعُ بهِ، الذي هوَ عرضةٌ لكلِّ شرٍّ، وممنوعٌ من الوصولِ إلى دارِ المتقينَ.

وقدْ يتمكنُ الموَفَّقُ من جعلِ الزادِ الحسيِّ يجمعُ الزادَينِ؛ بأنْ يقصدَ بهِ وجهَ اللهِ، والقيامَ بواجبِ النفسِ والرفقةِ ومَن يتصلُ بهِ، والقيامَ بالإحسانِ المستحبِّ، وقصدَ امتثالِ أمرِ اللهِ؛ فالنيةُ هيَ الأساسُ لكلِّ خيرٍ، التي تجعلُ الناقصَ كاملًا والعادةَ عبادةً.

* ثم قالَ: ﴿وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أي: يا أهلَ العقولِ الرزينةِ، اتقُوا ربَّكم الذي تقواهُ أعظمُ ما تأمرُ بهِ العقولُ، وتركُها دليلٌ على فسادِ العقلِ والرأيِ.

* ولما أمرَ بتقواهُ أخبرَ أنَّ ابتغاءَ فضلهِ بالاشتغالِ بالتكسبِ في التجارةِ في مواسمِ الحجِّ وغيرِها؛ ليسَ فيه حرجٌ إذا لم يشغلْ عما يجبُ، إذا كان المقصودُ هوَ الحجُّ، وكان الكسبُ حلالًا منسوبًا إلى فضلِ اللهِ، معترفًا فيه بنعمةِ اللهِ، لا منسوبًا إلى حذقِ العبدِ والوقوفِ معَ السببِ ونسيانِ المسببِ، فإنَّ هذا هوَ الحرجُ بعينهِ في كلِّ وقتٍ، فكيفَ إذا قارنَ النسكَ الفاضلَ!

<<  <  ج: ص:  >  >>