للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلاقٍ أو خلعٍ أو غيرِ ذلكَ، ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا﴾ من الزوجَينِ، ﴿مِنْ سَعَتِهِ﴾ أي: من فضلهِ وإحسانهِ العامِّ الشاملِ:

* فيُغنِي الزوجَ بزوجةٍ خيرٍ لهُ منها.

* ويُغنِيها من فضلهِ برزقٍ من غيرِ طريقهِ، فإنها وإنْ توهمَتْ أنهُ إذا فارقَها زوجُها المنفِقُ عليها القائمُ بمؤنتِها ينقطعُ عنها الرزقُ، فسوفَ يغنيها اللهُ من فضلهِ؛ فإنَّ رزقَها ليسَ على الزوجِ ولا على غيرهِ، بلْ على المتكفلِ القائمِ بأرزاقِ الخليقةِ كلِّها، وخصوصًا مَنْ تعلَّقَ قلبهُ بهِ ورجاهُ رجاءً قلبيًّا طامعًا في فضلهِ كلَّ وقتٍ؛ فإن اللهَ عندَ ظنِّ عبدهِ بهِ، ولعلَّ اللهَ يرزقُها زوجًا خيرًا لها منهُ وأنفعَ.

* ﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا﴾ أي: واسعَ الرحمةِ كثيرَ الإحسانِ، ﴿حَكِيمًا﴾ في وضعهِ الأمورَ مواضعَها.

* وفي الآيةِ: تنبيهٌ على أنهُ ينبغِي للعبدِ أنْ يعلِّقَ رجاءَهُ باللهِ وحدَهُ، وأنَّ اللهَ إذا قدَّرَ لهُ سببًا من أسبابِ الرزقِ والراحةِ أنْ يحمدَهُ على ذلكَ، ويسألَهُ أنْ يباركَ فيه لهُ، فإنْ انقطعَ أو تعذَّرَ ذلكَ السببُ فلا يتشوشُ قلبُهُ، فإنَّ هذا السببَ من جملةِ أسبابٍ

لا تُحصَى، لا يتوقفُ رزقُ العبدِ على ذلكَ السببِ المعينِ، بلْ يفتحُ لهُ سببًا غيرَهُ أحسنَ منهُ وأنفعَ، وربما فتَحَ لهُ عدةَ أسبابٍ، فعليه في أحوالهِ كلِّها أنْ يجعلَ فضلَ ربهِ، والطمعَ في برهِ نصبَ عينيهِ وقبلةَ قلبهِ، ويُكثرَ من الدعاءِ المقرونِ بالرجاءِ؛ فإن اللهَ يقولُ على لسانِ نبيهِ: «أنا عندَ ظنِّ عبدِي بي، فإنْ ظنَّ بي خيرًا فلهُ، وإنْ ظنَّ بي شرًّا فلهُ» (١)، وقالَ: «إنَّكَ ما دعوتَنِي ورجوتَنِي غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أبالي» (٢).


(١) مسند أحمد (١٥/ ٣٦ رقم ٩٠٧٦). وأصله عند البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥).
(٢) الترمذي (٣٥٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>