ويُستفادُ من هذا معنًى كليٌّ نافعٌ: وهوَ أنهُ ينبغِي للعبدِ إذا أرادَ أنْ يدخلَ في أمرٍ من الأمورِ، مثلَ الأمورِ التي يترتبُ عليها حقوقٌ كثيرةٌ، ومثلَ الولاياتِ الكبارِ والصغارِ والأمورِ المهمةِ - أنْ يتأنَّى وينظرَ في نفسهِ وعاقبةِ أمرهِ، فإنْ رأى من نفسهِ قوةً على ذلكَ، ووثقَ بقيامهِ بما فيها من الحقوقِ؛ تقدَّمَ إليها، متوكلًا على اللهِ، وإلَّا أحجمَ، واغتنمَ السلامةَ عن الدخولِ في الأمورِ الخطرةِ.
* وأمَرَ تعالى الأزواجَ أنْ يمسكُوا زوجاتِهم بمعروفٍ أو يسرحوهنَّ بمعروفٍ، فإن أمسكَها أمسكَها بعشرةٍ حسنةٍ، وإنْ فارقَها فليكنْ على وجهِ الشرعِ بطمأنينةٍ من غيرِ مغاضبةٍ ولا مشاتمةٍ ولا عداواتٍ تقعُ بينَهُ وبينَها، أو بينَهُ وبينَ أهلِها.
ومِن التسريحِ بالمعروفِ: أنْ يعطيَها شيئًا من المالِ تتمتعُ بهِ، وينجبرُ بهِ خاطرُها، وتذهبُ عن زوجِها شاكرةً، ولا يكونُ لهذا الفراقِ على هذا الوجهِ إلَّا العواقبُ الطيبةُ للطرفَينِ.
* ولما بيَّنَ البارِي هذهِ الأحكامَ الجليلةَ غايةَ التبيينِ، وكان القصدُ بها أنْ يَعْلَمَها العبادُ ويَعملُوا بها، ويقفُوا عندَها ولا يتجاوزُوها؛ فإنهُ لم ينزِلْها عبثًا، بلْ أنزلَها بالعلمِ والصدقِ والحقِّ النافعِ والجدِّ - نَهَى عن اتخاذِها ﴿هُزُوًا﴾ [البقرة: ٢٣١] أي: لعبًا بها، وهوَ التَّجَرِّي عليها، وعدمُ الامتثالِ لواجبِها، مثلَ المضارةِ في الإمساكِ والإرسالِ، أو كثرةِ الطلاقِ وجمعِ الثلاثِ.
* وقال: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣١] عمومًا باللسانِ حمدًا وثناءً، وبالقلبِ اعترافًا وإقرارًا، وبالأركانِ بأنْ يُستعانَ بنعمهِ على طاعتهِ، وخصوصًا ما أنزَلَ عليكم من الكتابِ والحكمةِ، فإنَّ في الكتابِ والسنةِ من بيانِ الحقِّ والهدَى من الضلالِ، والحلالِ من الحرامِ، وجميعِ ما يحتاجهُ العبادُ في أمورِ دينِهم ودنياهم - ما يوجِبُ للعبادِ أنْ يشكروهُ شكرًا كثيرًا، ويقوموا بحقِّهِ، ويخضعُوا لأحكامهِ.