كما قالَ ﷺ:«رحمَ اللهُ عبدًا سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى»(١).
* وفي قولهِ: ﴿عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ﴾: ترقيقٌ وحثٌّ على العفوِ إلى الدِّيةِ؛ وأكملُ مِنْ ذلكَ العفوُ مجانًا.
* وفي قولهِ: ﴿أَخِيهِ﴾: دليلٌ على أنَّ القاتلَ عمدًا لا يَكفرُ؛ لأنَّ المرادَ بالأخوةِ هنا أخوةُ الإسلامِ، فلم يخرُجْ بالقتلِ عنها؛ ومن بابِ أولى سائرُ المعاصِي التي هيَ دونَ القتلِ، فإنَّ صاحبَها لا يَكفرُ، ولكنهُ يستحقُّ العقابَ، وينقصُ بذلكَ إيمانهُ إنْ لم يتُبْ.
* وإذا عفا أولياءُ المقتولِ أو بعضُهم احتقنَ دمُ القاتلِ، وصارَ معصومًا منهم ومِن غيرِهم؛ فلهذا قالَ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي: بعدَ العفوِ، ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: في الآخرةِ.
وأما قتلهُ وعدمهُ فيُؤخذُ مما تقدَّمَ؛ لأنهُ قَتَلَ مكافئًا لهُ فيجبُ قتلهُ بذلكَ.
* ثم بيَّنَ تعالى حكمتَهُ العظيمةَ في مشروعيةِ القصاصِ، فقالَ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] أي: تنحقنُ بذلكَ الدماءُ، وتنقمعُ بهِ الأشقياءُ؛ لأنَّ مَنْ عرَفَ أنهُ إذا قَتَلَ قُتِلَ لا يكادُ يصدرُ منهُ قتلٌ، وإذا رُئِيَ القاتلُ مقتولًا انزجرَ غيرهُ بذلكَ؛ فلو كان عقوبةُ القاتلِ غيرَ القتلِ لم يحصُلْ مِنْ انكفافِ الشرِّ ما يحصلُ بالقتلِ.
وهكذا سائرُ الحدودِ الشرعيةِ: فيها من النكايةِ والانزجارِ ما يدلُّ على حكمةِ الحكيمِ الغفارِ.