للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاتِها، إلا شجرةً معينةً في هذهِ الجنةِ، فحرَّمها عليهما، فقالَ: ولا تأكلَا من هذه الشجرةِ فتكونَا من الظالمين (١)، وقال اللهُ لآدمَ في تمتيعهِ بهذه الجنةِ: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)[طه: ١١٨ - ١١٩].

فمكثَا في الجنةِ ما شاءَ اللهُ على هذا الوصفِ الذي ذكرَهُ اللهُ، وعدوُّهما يراقبُهما ويراصدُهما، وينظرُ الفرصةَ فيهما، فلما رأى سرورَ آدمَ بهذهِ الجنةِ، ورغبتَهُ العظيمةَ في دوامِها، جاءَهُ بطريقٍ لطيفٍ في صورةِ الصديقِ الناصحِ، فقالَ: يا آدمُ، هلْ أدلُّكَ على شجرةٍ إذا أكلتَ منها خلدْتَ في هذهِ الجنةِ، ودامَ لكَ الملكُ الذي لا يبلَى؟

فلمَ يزَلْ يوسوسُ ويزينُ ويسولُ ويعِدُ ويمنِّي، ويُلقِي عليهما من النصائحِ الظاهرةِ، وهيَ أكبرُ الغشِّ؛ حتى غرَّهما؛ فأكلَا من الشجرةِ التي نهاهما اللهُ عنها وحرَّمَها عليهما.

فلما أكلَا منها بدَتْ لهما سوآتُهما بعدما كانا مستورينِ، ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ﴾ [الأعراف: ٢٢] على أنفسِهما من أوراقِ تلكَ الجنةِ، أي: يُلْزِقانِ على أبدانِهما العاريةِ؛ ليكونَ بدلَ اللباسِ. وسُقِطَ في أيدِيهما، وظهرَتْ في الحالِ عقوبةُ معصيتِهما، وناداهُما ربُّهما: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ٢٢].

فأوقَعَ اللهُ في قلوبِهما التوبةَ التامةَ، والإنابةَ الصادقةَ، وتلقَّى آدمُ من ربهِ كلماتٍ، وقالا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣]، فتابَ اللهُ عليهما، ومحا الذنبَ الذي أصابَا، ولكنَّ الأمرَ الذي حذرَهما اللهُ منهُ -وهوَ الخروجُ من هذهِ الجنةِ إنْ تناولَا منها- تحتَّمَ ومضَى، فخرجَا منها إلى الأرضِ التي حُشِيَ خيرُها بشرِّها، وسرورُها بكدرِها.


(١) كما في قوله تعالى: ﴿فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>