للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا (٦٣)[الأنبياء: ٦٢ - ٦٣] مشيرًا إلى الصنمِ الذي سَلِمَ من تكسيرهِ، وهم في هذهِ بينَ أمرينِ:

• إما أنْ يعترفُوا بالحقِّ، وأنَّ هذا لا يدخلُ عقلَ أحدٍ: أنَّ جمادًا معروفًا أنهُ مصنوعٌ من موادَّ معروفةٍ لا يمكنُ أنْ يفعلَ هذا الفعلَ.

• وإما أنْ يقولُوا: نعم هوَ الذي فعلَها، وأنتَ سالمٌ ناجٍ مِنْ تبعتِها.

وقدْ عَلِمَ أنهم لا يقولونَ الاحتمالَ الأخيرَ، قالَ: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ وهذا تعليقٌ بالأمرِ الذي يعترفونَ أنهُ محالٌ، فحينئذٍ ظهَرَ الحقُّ وبانَ، واعترفوا هم بالحقِّ ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ أي: ما كان اعترافُهم ببطلانِ إلهيتِها إلا وقتًا قصيرًا [أظهرَتْهُ] (١) الحجةُ مباشرةً التي لا يمكنُ مكابرتُها، ولكنْ ما أسرعَ ما عادَتْ عليهم عقائدُهم الباطلةُ التي رسخَتْ في قلوبِهم، وصارَتْ صفاتٍ ملازمةً، إنْ وُجِدَ ما ينافِيها فإنهُ عارضٌ يعرضُ ثم يزولُ، ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٥].

فحينئذٍ وبَّخَهم بعد إقامةِ الحجةِ التي اعترَفَ بها الخصومُ على رؤوسِ الأشهادِ، فقالَ لهمْ: ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٧)[الأنبياء: ٦٦ - ٦٧] فلو كان لكم عقولٌ صحيحةٌ لم تقيمُوا على عبادةِ ما لا ينفعُ ولا يضرُّ ولا يدفعُ عن نفسهِ مَنْ يريدهُ بسوءٍ.

فلما أعيَتْهم المقاومةُ بالبراهينِ والحججِ عدلُوا إلى استعمالِ قوتِهم وبطشِهم وجبروتِهم في عقوبةِ إبراهيمَ فقالوا: ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٦٨)


(١) كذا في (خ). وفي (ط): ظهرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>