للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ثم خرَجَ من بينِ أظهرِهم مهاجرًا وزوجتُهُ وابنُ أخيهِ لوطٌ إلى الديارِ الشاميةِ.

وفي أثناءِ مدةِ إقامتهِ بالشامِ ذهبَ إلى مصرَ بزوجتهِ سارةَ، وكانتْ أحسنَ امرأةٍ على الإطلاقِ، فلما رآها ملكُ مصرَ -وكان جبارًا عنيدًا- لم يملِكْ نفسَهُ حتى أرادَها على نفسِها، فدعَتِ اللهَ عليهِ، فكادَ أنْ يموتَ، ثم أُطلِقَ، ثم عادَ ثانيةً [وثالثةً] (١)، وكلما أرادَها دعَتْ عليهِ فصُرِعَ، ثم دعَتْ لهُ فأُطلِقَ، فكفاهما اللهُ شرَّهُ، ووهَبَ لها هاجرَ جاريةً قبطيةً.

وكانتْ سارةُ عاقرًا منذُ كانتْ شابةً، فوهبَتْ هذهِ الجاريةَ لإبراهيمَ ليتسرَّرَها؛ لعلَ اللهَ يرزقُهُ منها ولدًا، فأتتْ هاجرُ بإسماعيلَ على كبرِ إبراهيمَ، ففرِحَ بهِ فرحًا شديدًا، ولكنَّ سارةَ أدركَتْها الغيرةُ؛ فحلفَتْ ألَّا يساكنَها بها، وذلكَ لما يريدهُ اللهُ، وهذا من جملةِ الأسبابِ لذهابهِ بها إلى موضعِ البيتِ الحرامِ، وإلا فهوَ متقررٌ عندَهُ ذلكَ .

فذهَبَ بها وبابنِها إسماعيلَ إلى مكةَ، وهيَ في ذلكَ الوقتِ ليسَ فيها ساكنٌ ولا مسكنٌ ولا ماءٌ ولا زرعٌ ولا غيرهُ، وزوَّدَهما بسقاءٍ فيه ماءٌ وجِرابٍ فيه تمرٌ، ووضعَهما عندَ دوحةٍ قريبةٍ مِنْ محلِّ بئرِ زمزمَ، ثم قفَّى عنهما.

فلما كان في الثنيةِ بحيثُ يشرفُ عليهما دعا اللهَ تعالى فقالَ: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)[إبراهيم: ٣٧] إلى آخرِ الدعاءِ.


(١) زيادة من (خ). وهو موافق لما جاء عند البخاري في صحيحه (٢٢١٧) أنه أُطلق وعاد ثلاث مرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>