ثم استسلمَتْ لأمرِ اللهِ، وجعلَتْ تأكلُ من ذلكَ التمرِ، وتشربُ من ذلكَ الماءِ حتى نفدَا، فعطشَتْ ثم عطَشَ ولدُها، فجعلَ يتلوَّى من العطشِ، ثم ذهبَتْ في تلكَ الحالِ لعلَّها ترى أحدًا أو تجدُ مغيثًا، فصعدَتْ أدنى جبلٍ منها وهوَ الصفا، وتطلعَتْ فلم ترَ أحدًا، ثم ذهبَتْ إلى المروةِ فصعدَتْ عليهِ فتطلعَتْ، فلم ترَ أحدًا.
ثم جعلَتْ تترددُ في ذلكَ الموضعِ وهيَ مكروبةٌ مضطرةٌ مستغيثةٌ باللهِ لها ولابنِها، وهيَ تمشي وتلتفتُ إليهِ خشيةَ السباعِ عليهِ، فإذا هبطَتِ الواديَ سعَتْ حتى تصعدَ من جانبهِ الآخرِ؛ لئلا يخفَى على بصرِها ابنُها.
والفرجُ معَ الكربِ، والعسرُ يتبعُهُ اليسرُ، فلما تمَّتْ سبعَ مراتٍ تسمَّعَتْ حسَّ الملَكِ، فبحثَ في الموضعِ الذي فيه زمزمَ فنبعَ الماءُ، فاشتدَّ فرحُ أمِّ إسماعيلَ بهِ، فشربَتْ منهُ وأرضعَتْ ولدَها، وحمدَتِ اللهَ على هذهِ النعمةِ الكبرى، وحوَّطَتْ على الماءِ لئلَّا يسيحَ، قالَ النبيُ ﷺ:«رَحِمَ اللهُ أمَّ إسماعيلَ: لوْ تركَتْ ماءَ زمزمَ - أي: لم تحوِّطْهُ- لكانَتْ زمزمُ عينًا معينًا»(١).
ثم عثَرَ بها قبيلةٌ من قبائلِ العربِ يُقالُ لهم:«جُرْهُم»، فنزلُوا عندَها وتمَّتْ عليها النعمةُ.
وشبَّ إسماعيلُ شبابًا حسنًا، وأعجبَ القبيلةَ بأخلاقهِ وعلوِ همتهِ وكمالهِ، فلما بلغَ تزوَّجَ منهم امرأةً.
ففي أثناءِ هذهِ المدةِ ماتتْ أمُّهُ ﵂، وجاءَ إبراهيمُ بغيبةِ إسماعيلَ يتصيَّدُ، فدخَلَ على امرأتهِ فسألَها عن زوجِها وعنْ عيشِهم، فأخبرَتْهُ أنَّ زوجَها قدْ