فصل
ثم إنَّ اللهَ أتمَّ النعمةَ على إبراهيمَ، ورَحِمَ زوجتَهُ سارةَ على الكبرِ والعقمِ واليأسِ، بالبشارةِ بالابنِ الجليلِ وهوَ إسحاقُ، ومن وراءِ إسحاقَ يعقوبُ.
فحينَ أرسلَ اللهُ لوطًا إلى قومهِ، وتمرَّدُوا عليهِ وحتَّمَ اللهُ عقوبتَهم، وكان لوطٌ ﵇ تلميذًا لإبراهيمَ، ولإبراهيمَ عليهِ حقوقٌ كثيرةٌ، فمرَّتِ الملائكةُ الذينَ أُرسلُوا لإهلاكِ قومِ لوطٍ بإبراهيمَ بصورةِ آدميينَ، فلما دخلُوا عليهِ وسلُّموا ردَّ عليهم السلامَ، بادَرَهم بالضيافةِ، وكان اللهُ قدْ أعطاهُ الرزقَ الواسعَ والكرمَ العظيمَ، وكان بيتهُ مأوًى للأضيافِ، فبالحالِ راغَ إلى أهلهِ بسرعةٍ وخفيةٍ منهم، فجاءَ بعجلٍ سمينٍ محنوذٍ: مشويٍّ على الرَّضْفِ، فقرَّبهُ إليهم، فقالَ: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: ٢٧]، ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] إذْ ظنَّ أنهم لصوصٌ، فقالوا: ﴿لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠].
وكانتْ سارةُ قائمةً في خدمتِهم، ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: ٢٨]، فصرخَتْ سارةُ وصكَّتْ وجهَها متعجبةً ومستبشرةً ومترددةً ومتحيرةً، وقالتْ: ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢]، وقبلَ ذلكَ كنتُ عقيمًا، ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)﴾ [هود: ٧٣] فبشَّرَاهما بإسحاقَ، وأنهُ يعيشُ، ويُولَدُ لهُ يعقوبُ ويُدركانهِ؛ ولهذا حمَدَ اللهَ إبراهيمُ على تمامِ نعمتهِ وقالَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: ٣٩].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute