للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينامُ سدسَهُ، ويصومُ يومًا ويفطرُ يومًا، وكان إذا لاقَى العدوَّ رأى الخلقُ من شجاعتهِ ما يُعجِبُ الناظرينَ.

وقدْ ألانَ اللهُ لهُ الحديدَ، وعلَّمَهُ صنعةَ الدروعِ الواقيةِ في الحروبِ، وهوَ أولُ مَنْ صنَعَ الدروعَ السرديةَ ذواتِ الحِلقِ التي يحصلُ فيها الوقايةُ، وهيَ خفيفةُ المحملِ.

وقدْ عاتبَهُ اللهُ بسببِ ذنبٍ أذنبَهُ، بأنْ أرسلَ إليهِ ملكَينِ بصورةِ خصمَينِ، فدخلُوا عليهِ وهوَ في محرابهِ ففَزِعَ منهم؛ لأنهم دخلُوا عليهِ في وقتٍ لا يدخلُ عليهِ فيه أحدٌ، وتسوَّروا المحرابَ، وقالوا: ﴿لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢]، ثم قصَّ عليهِ أحدُهما القصةَ فقالَ: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ والمرادُ بها: المرأةُ، ﴿وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣)﴾ أي: صارَ خطابهُ أقوَى منِّي فغلَبَنِي، فقالَ داودُ : ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾.

وعَلِمَ داودُ أنهُ هوَ المرادُ بهذهِ القضيةِ؛ فانتبهَ لذلكَ، ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)[ص: ٢٤ - ٢٥]، فمحا اللهُ عنهُ الذنبَ، وعادَ بعدَ التوبةِ أحسنَ مما كان قبلَ ذلكَ: حصَلَ لهُ القربُ العظيمُ من ربهِ وحسنُ العاقبةِ، وقالَ اللهُ لهُ: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦] الآية.

وأما سليمانُ بنُ داودَ فإنَّ اللهَ أعطاهُ النبوةَ ووَرِثَ أباهُ: علمَهُ ونبوتَهُ وملكَهُ، وزادهُ اللهُ ملكًا عظيمًا لم يحصُلْ لأحدٍ قبلَهُ ولا بعدَهُ:

• سخَّرَ اللهُ لهُ الريحَ، تجرِي بأمرهِ وتدبيرهِ رُخاءً، أي: بسهولةٍ حيثُ أرادَ، ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>