للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدبَّرَهم على كيفيةِ آلاتهِ وبنيانهِ فقالَ: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ أي: اجمعُوا لي جميعَ قطعِ الحديدِ الموجودةِ، من صغارٍ وكبارٍ، ولا تدعُوا من الموجودِ شيئًا، واركمُوهُ بينَ السدَّينِ، ففعلوا ذلكَ حتى كان الحديدُ تلولًا عظيمةً موازنةً للجبالِ؛ ولهذا قالَ: ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ أي: الجبلَينِ المكتنفَينِ لذلك الردمِ.

﴿قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ أي: أَمَرَ بالنحاسِ، فأذيبَ بالنيرانِ، وجعلَ يسيلُ بينَ قطعِ الحديدِ، فالتحمَ بعضُها ببعضٍ، وصارَتْ جبلًا هائلًا متصلًا بالسدَّينِ؛ فحصلَ بذلكَ المقصودُ مِنْ عَيْثِ يأجوجَ ومأجوجَ؛ ولهذا قال: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ أي: يصعدُوا ذلك الردمَ، ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ أي: ربي الذي وفَّقني لهذا العملِ الجليلِ، والأثرِ الجميلِ، فرَحِمَكم إذْ منعَكم من ضررِ يأجوجَ ومأجوجَ بهذا السببِ الذي لا قدرةَ لكم عليهِ.

﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ أي: هذا العملُ والحيلولةُ بينَكم وبينَ يأجوجَ ومأجوجَ مؤقتٌ إلى أجلٍ، فإذا جاءَ ذلكَ الأجلُ قدَّرَ اللهُ للخلقِ من أسبابِ القوةِ والقدرةِ والصناعاتِ والاختراعاتِ الهائلةِ ما يمكِّنُ يأجوجَ ومأجوجَ من وطءِ بلادِكم أيها المُجاوِرونَ، بلْ ومِن وطءِ مشارقِ الأرضِ ومغاربِها وأقطارِها، كما قالَ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] أي: مِنْ كلِّ مكانٍ مرتفعٍ سواء مثل هذه السدودِ والبحارِ وجوِّ السماءِ.

﴿يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] أي: يسرعونَ فيها، غيرَ مكترثينَ، ولا حاجزَ يحجزُهم، فلفظةُ ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ﴾ يشملُ جميعَ المواضعِ والأقطارِ: سهلَها وصعبَها، منخفضَها ومرتفعَها، وإنما نصَّ اللهُ على المرتفعاتِ لأنَّ السهولَ والأماكنَ المنخفضةَ من بابِ أولى وأحرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>