للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان هذا الكلامُ منهُ في هذهِ الحالِ من آياتِ اللهِ، وأدلةِ رسالتهِ، وأنهُ عبدُ اللهِ،

لا كما يزعمهُ النصارى، وحصلَ لأمهِ البراءةُ العظيمةُ مما يُظنُّ بها من السوءِ، لأنها لوْ أتَتْ بألفِ شاهدٍ على البراءةِ وهيَ على هذهِ الحالِ؛ ما صدقها الناسُ، ولكنَّ هذا الكلامَ من عيسى وهوَ في المهدِ جلَّى كلَّ ريبٍ يقعُ في القلوبِ.

فانقسمَ الناسُ فيه بعدَ هذا ثلاثةَ أقسامٍ:

• قسم آمنُوا بهِ وصدَّقُوهُ في كلامهِ هذا، وفي الانقيادِ لهُ بعدَ النبوةِ، وهم المؤمنونَ حقيقةً.

• وقسم غلَوا فيه وهم النصارى، فقالوا فيه المقالاتِ المعروفةَ، ونزَّلُوهُ منزلةَ الربِّ، تعالَى اللهُ عن قولِهم علوًّا كبيرًا!

• وقسم كفرُوا بهِ وجفَوهُ، وهم اليهودُ، ورمَوا أمَّهُ بما برَّأَها اللهُ منهُ.

ولهذا قالَ تعالى: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧)[مريم: ٣٧].

ولما أرسلَهُ اللهُ إلى بني إسرائيلَ آمنَ بهِ مَنْ آمنَ، وكفَرَ بهِ مَنْ كفَرَ، وجعَلَ يُرِيهم الآياتِ والعجائبَ، فكان يُصوِّرُ الطينَ فينفخُ فيه فيكونُ طيرًا بإذنِ اللهِ، ويبرئُ الأكمهَ والأبرصَ، ويحيي الموتى بإذنِ اللهِ، وينبِّئُهم عن كثيرٍ مما يأكلونَ، ويدخرونَ في بيوتِهم.

ومعَ ذلكَ فتكالبَتْ عليهِ أعداؤُهُ، وأرادُوا قتلَهُ، فألقى اللهُ شبهَهُ على واحدٍ من الحواريينَ أصحابهِ أو من غيرِهم، ورفعَهُ اللهُ إليهِ، وطهَّرَهُ من قتلِهم، فأخذُوا شبيهَهُ فقتلُوهُ وصلَبُوهُ، وباؤُوا بالإثمِ العظيمِ والجرمِ الجسيمِ، وصدَّقَهم النصارى أنهم قتلُوهُ وصلَبُوهُ، ونزَّهَهُ اللهُ من هذهِ الحالةِ فقالَ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>