للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ﴾ أي: ابتعَدَتْ ﴿بِهِ﴾ عن الناسِ، ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ خشيةَ الاتهامِ والأذيةِ منهم، ﴿فَأَجَاءَهَا﴾ أي: أَلْجَأها، ﴿الْمَخَاضُ﴾ أي: الطَلْقُ، ﴿إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)[مريم: ٢٢ - ٢٣]؛ لما تعرفهُ مما هيَ متعرضةٌ لهُ من الناسِ، وأنهم لا يصدقونَها، ولم تدرِ ما اللهُ صانعٌ لها.

﴿فَنَادَاهَا﴾ الملَكُ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ وكانتْ في مكانٍ مرتفعٍ، ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)[المؤمنون: ٥٠]، ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)﴾ أي: نهرًا جاريًا، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ من دونِ أنْ تحوجَكِ إلى صعودٍ، ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)﴾ أي: طريًّا ناضجًا، ﴿فَكُلِي﴾ من الرطبِ، ﴿وَاشْرَبِي﴾ من السريِّ، ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ بولادةِ عيسى، وليذهَبْ روعُكِ وخوفُكِ.

﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أي: سكوتًا، وكان معهودًا عندَهم أنهم يتعبدونَ بالصمتِ في جميعِ النهارِ؛ ولهذا فسَّرَهُ بقولهِ: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٦]، فاطمأنَّ قلبُها، وزالَ عنها ما كانتْ تجدُ.

ثم لما تعالَتْ من نفاسِها، وأصلحَتْ شأنَها، وقويَتْ بعدَ الولادةِ: ﴿أَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾ [مريم: ٢٧] علنًا غيرَ هائبةٍ ولا مباليةٍ، فلما رآهُ قومُها، وقدْ علمُوا أنهُ لا زوجَ لها؛ جزمُوا أنهُ من وجهٍ آخرَ؛ فقالُوا: ﴿يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ كما أُمِرَتْ بذلكَ، فقالوا منكرينَ عليها مقالتَها لهم: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾، فقال وهو في تلك الحالِ له أيامٌ يسيرةٌ بعدَ ولادتهِ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)[مريم: ٣٠ - ٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>