للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فولدَتْ زوجتهُ يحيى، وأنشأَهُ اللهُ نشأةً عجيبةً، فتعلَّمَ وهوَ صغيرٌ، ومهرَ في العلمِ وهوَ صغيرٌ؛ ولهذا قالَ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] حتى قيلَ: إنَّ اللهَ أيضًا نبَّأَهُ وهو صغيرٌ، وكما أعطاهُ اللهُ العلمَ العظيمَ فقد مَنَّ عليه بأكملِ الصفاتِ فقالَ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)[مريم: ١٣ - ١٥]، ومضمونُ هذا:

• وصفُهُ بالقيامِ بحقوقِ اللهِ.

• وحقوقِ والدَيْهِ، وحقوقِ الخلقِ.

• وأنَّ اللهَ سيحسنُ لهُ العواقبَ في أحوالهِ كلِّها.

وأما مريمُ فإنها ﴿انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦]، متجردةً لعبادةِ ربِّها، ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ [مريم: ١٧]؛ لئلَّا يشغلَها أحدٌ عما هيَ بصددهِ؛ فأرسلَ اللهُ لها الرُّوحَ الأمينَ جبريلَ، في صورةِ بشرٍ سويٍّ من أكملِ الرجال وأجملِهم، فظنَّتْ أنهُ يريدُها بسوءٍ، فقالتْ: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] فتوسَّلَتْ باللهِ في حفظِها وحمايتِها، وذكَّرَتْهُ وجوبَ التقوى على كلِّ مسلمٍ يخشى اللهَ، فكان هذا الورعُ العظيمُ منها في هذهِ الحالةِ التي يخشَى منها الوقوعُ في الفتنةِ، ورفَعَ اللهُ بذلكَ مقامَها، ونعتَها بالعفةِ الكاملةِ، وأنها أحصنَتْ فرجَها.

فقالَ لها جبريلُ: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ [مريم: ١٩ - ٢١] بهِ وبكِ وبالناسِ، ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١)﴾ فلا تعجبِي مما قدَّرَهُ [اللهُ] (١) وقضاهُ.


(١) لفظ الجلالة زيادة من (خ).

<<  <  ج: ص:  >  >>