* ومنها: ما فيها من أصولِ تعبيرِ الرؤيا المناسبةِ، وأنَّ علمَ التعبيرِ علمٌ مهمٌّ يعطِيهُ اللهُ مَنْ يشاءُ من عبادهِ، وأنَّ أغلبَ ما تُبنَى عليهِ: المناسباتُ، وضربُ الأمثالِ، والمشابهةُ في الصفاتِ.
• فوجهُ مناسبةِ رؤيا يوسفَ أنهُ رأى الشمسَ والقمرَ والكواكبَ الأحدَ عشرَ ساجدينَ لهُ، أنَّ هذهِ زينةٌ للسماءِ، وفيها منافعُها، فكذلكَ الأنبياءُ والعلماءُ والأصفياءُ زينةُ الأرضِ، وبهم يُهتدَى في الظلماتِ كما يُهتدَى بالأنوارِ السماويةِ، ولأنَّ أباهُ وأمَّهُ أصلٌ، وإخوتهُ فرعٌ عنهما، فمن المناسبِ أنْ يكونَ الأصلُ أعظمَ نورًا وجُرمًا من الفرعِ؛ فلذلكَ كانتِ الشمسَ أمُّهُ أو أبوهُ، والقمرَ الآخرُ منهما، والكواكبَ إخوتُهُ، ومن المناسبِ أنَّ الساجدَ محترِمٌ لمن سجَدَ لهُ، والمسجود لهُ معظَّمٌ محترَمٌ، فدلَّ ذلكَ على أنَّ يوسفَ يصيرُ معظمًا محترمًا [عندَ أبويهِ](١) وإخوتهِ، ولا يتمُّ هذا إلا بمقدماتٍ تقتضِي الوصولَ إلى هذا: من علومٍ وأعمالٍ واجتباءٍ من اللهِ؛ فلهذا قالَ: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ [يوسف: ٦] الآية.
• ومنها: المناسبةُ في رؤيا الفتيَينِ، حيثُ عبَّرَ رؤيا مَنْ رأى أنهُ يعصرُ خمرًا، أنَّ الذي يعملُ هذا العملَ يكونُ في العادةِ خادمًا لغيرهِ، وأيضًا العصرُ مقصودٌ لغيرهِ، والخادمُ تابعٌ لغيرهِ، ويؤولُ أيضًا إلى السقيِ الذي هوَ خدمتُهُ؛ فلذلكَ أوَّلَهُ بما يؤولُ إليهِ.
(١) في (خ) و (ط): لأبويه. والمثبت من تفسير السعدي (ص: ٤٠٧)، وبه يستقيم السياق.