للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• وأما تعبيرهُ لرؤيا مَنْ رأى أنهُ يحملُ فوقَ رأسهِ خبزًا تأكلُ الطيرُ منهُ: بأنهُ يُقتَلُ ويُصلَبُ مدةً حتى تأكلَ الطيرُ من مخِّ رأسهِ الذي هوَ يَحمِلُ.

• وعبَّرَ رؤيا المَلكِ بالبقراتِ والسنبلاتِ: بأنها السنينُ المُخْصِبةُ والمُجْدِبةُ، ووجهُ المناسبةِ أنَّ المَلكَ بهِ ترتبطُ أمورُ الرعيةِ ومصالحُها، وبصلاحهِ تصلحُ، وبفسادهِ تفسدُ، فهذهِ نسبتهُ إذْ رأى هوَ الرؤيا، وكذلكَ السنونَ بخصبِها وجدبِها تنتظمُ أمورُ المعاشِ أو تختلُّ، والبقرُ هيَ آلةُ حرثِ الأرضِ واستخراجِ مَغَلِّها، والمَغَلُّ هوَ الزرعُ، فرأى السببَ والمسبَّبَ.

فرؤيتهُ السبعَ السمانَ من البقرِ، ثم السبعَ العجافَ، والسبعَ السنبلاتِ الخضرَ، ثم السبعَ اليابساتِ، أي: لابدَّ أنْ تتقدمَ السبعُ السنينُ المخصباتُ، ثم تتلُوها المجدباتُ، وتأكلُ ما حصَلَ فيها من غلالٍ، ولا تبقِي إلا شيئًا يحصنونَهُ عنها، وإلا فهيَ بصددِ أكلِها كلِّها.

فإنْ قيلَ: من أينَ أخذَ قولَهُ: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)[يوسف: ٤٩]؟ فإنَّ بعضَ المفسرينَ قالَ: هذهِ زيادةٌ من يوسفَ في التعبيرِ بوحيٍ أُوحيَ إليهِ.

فالجوابُ: ليسَ الأمرُ كذلكَ، وإنما أخذَها من رؤيا المَلكِ، فإنَّ السنينَ المجدبةَ سبعٌ فقطْ، فدلَّ على أنهُ سيأتي بعدَها عامٌ عظيمُ الخصبِ، كثيرُ البركاتِ، يزيلُ الجدبَ العظيمَ الحاصلَ من السنينَ [السبعِ] (١) المجدبةِ الذي لا يزيلُها عامٌ خصبٌ عاديٌّ، بلْ لابدَّ فيه من خصبٍ خلافِ العادةِ، وهذا واضحٌ وهوَ من مفهومِ العددِ.


(١) زيادة من (خ).

<<  <  ج: ص:  >  >>