* ومنها: أنَّ الشيءَ إذا تداولَتْهُ الأيدِي، وصارَ من جملةِ الأموالِ، ولم يَعلمْ المعاملونَ أنهُ على غيرِ وجهِ الشرعِ؛ فلا إثمَ على مَنْ باشرَهُ ببيعٍ أو شراءٍ أو خدمةٍ أو انتفاعٍ أو استعمالٍ، فإنَّ يوسفَ باعَهُ إخوتهُ بيعًا محرَّمًا عليهم، واشترَتْهُ السيارةُ بناءً على أنهُ عبدٌ لإخوةِ يوسفَ البائعينَ، ثم ذهبُوا بهِ إلى مصرَ فباعُوهُ بها، وبقيَ عندَ سيدهِ غلامًا رقيقًا، وسماهُ اللهُ سيدًا، وكان عندَهم بمنزلةِ الرقيقِ المُكرمِ، وسمَّى اللهُ شراءَ السيارةِ وشراءَهُ في مصرَ معاملةً؛ لما ذكرنا.
* ومنها: الحذرُ من الخلوةِ بالنساءِ الأجنبياتِ، وخصوصًا اللاتي يُخشَى منهنَّ الفتنةُ، والحذرُ أيضًا من المحبةِ التي يُخشَى ضررُها؛ فإنَّ امرأةَ العزيزِ جرَى منها ما جرَى بسببِ توحدِها بيوسفَ، وحبِّها الشديدِ لهُ الذي ما ترَكها حتى راودَتْهُ تلكَ المراودةَ، ثم كذبَتْ عليهِ؛ فسُجِنَ ذلكَ السجنَ الطويلَ.
* ومنها: أنَّ الهمَّ الذي همَّ بهِ يوسفُ ثم تركَهُ للهِ، ولبرهانِ الإيمانِ الذي وضعَهُ اللهُ في قلبهِ؛ مما يرقِّيهُ إلى اللهِ زلفَى؛ لأنَّ الهمَّ داعٍ من دواعِي النفسِ الأمارةِ بالسوءِ، وهوَ طبيعةٌ طُبِعَ عليها الآدميُّ، فإذا حصلَ الهمُّ بالمعصيةِ، ولم يكنْ عندَ العبدِ ما يقاوِمُ ذلكَ من الإيمانِ والخوفِ من اللهِ؛ وقعَ الذنبُ.
وإنْ كان العبدُ مؤمنًا كاملَ الإيمانِ فإنَّ الهمَّ الطبيعيَّ إذا قابلهُ ذلكَ الإيمانُ الصحيحُ القويُّ منعَهُ من ترتبِ أثرهِ، ولوْ كان الداعِي قويًّا؛ ولهذا كان يوسفُ من أعلى هذا النوعِ، قالَ تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾، بدليلِ قولهِ: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤]، لاستخلاصِ اللهِ إياهُ وقوةِ إيمانهِ وإخلاصهِ خلَّصَهُ اللهُ من الوقوعِ في الذنبِ، فكان ممن خافَ مقامَ ربهِ، ونهَى النفسَ عن الهوى، ومن أعلى السبعةِ الذينَ يظلُّهم اللهُ في ظلِّهِ يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّهُ، فذكَرَ