للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم انتهَى أمرُهم إلى التوبةِ النصوحِ، والاعترافِ التامِّ (١)، والعفوِ التامِّ عنهم مِنْ يوسفَ ومِن أبِيهم، والدعاءِ لهم بالمغفرةِ والرحمةِ.

وإذا سمحَ العبدُ [بحقِّهِ] (٢) فاللهُ أولى بذلكَ وهوَ خيرُ الراحمينَ الغافرينَ؛ ولهذا في أصحِّ الأقوالِ أنَّ اللهَ جعلَهم أنبياءَ؛ لمحوِ ما سبقَ منهم، وكأنهُ ما كان، ولقولهِ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾ [البقرة: ١٣٦] وهم أولادُ يعقوبَ الاثنا عشرَ وذريتُهم، ومما يؤيِّدُ هذا: أنَّ في رؤيا يوسفَ أنهم هم الكواكبُ التي فيها النورُ والهدايةُ، وهيَ من صفاتِ الأنبياءِ، فإنْ لم يكونوا أنبياءَ فإنهم علماءُ عبَّادٌ.

* ومنها: ما منَّ اللهُ بهِ على يوسفَ من العلمِ والحلمِ، والأخلاقِ الكاملةِ، والدعوةِ إلى اللهِ وإلى دينهِ، وعفوهِ عن إخوتهِ الخاطئينَ عفوًا بادرَهم بهِ، وتمَّمَ ذلكَ بأنْ أخبرَهم أنهُ لا [تثريبَ] (٣) عليهم بعدَ هذا العفوِ، ثم برُّهُ العظيمُ بأبيهِ وأمهِ، وإحسانهُ على إخوتهِ، وإحسانهُ على عمومِ الخلقِ، كما هوَ بينٌ في سيرتهِ وقصتهِ.

* ومنها: أنَّ بعضَ الشرِّ أهونُ من بعضٍ، وارتكابَ أخفِّ الضررينِ أولى من ارتكابِ أعظمِهما؛ فإنَّ إخوةَ يوسفَ لما قالُوا: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا﴾ [يوسف: ٩] الآية، وقال قائلٌ منهم: ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [يوسف: ١٠]، كان قولهُ أحسنَ منهم وأخفَّ، وبسببهِ خفَّ عن إخوتهِ الإثمُ الأكبرُ، وهوَ من جملةِ الأسبابِ التي قدَّرَ اللهُ ليوسفَ في وصولهِ إلى الغايةِ التي يريدُ.


(١) بعدها في (خ): بجرمهم.
(٢) كذا في (خ). وفي (ط): بحق.
(٣) كذا في (خ). وفي (ط): يثرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>