للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدْ وعَدَ من نفسهِ الصبرَ الجميلَ، ولا ريبَ أنهُ وفَّى بما وعَدَ بهِ، ولا يُنافِي ذلكَ قولُهُ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: ٨٦]؛ فإنَّ الشكوَى إلى اللهِ لا تُنافِي الصبرَ، وإنما الذي ينافيهِ الشكوَى إلى المخلوقينَ.

ولا ريبَ أنَّ اللهَ رفعَهُ بهذهِ المحنةِ درجاتٍ عاليةً ومقاماتٍ ساميةً، لا تُنالُ إلا بمثلِ هذهِ الأمورِ.

* ومنها: أنَّ الفرَجَ معَ اشتدادِ الكربِ، فإنهُ لما تراكمَتِ الشدائدُ المتنوعةُ، وضاقَ العبدُ ذرعًا بحملِها، فرَّجَها فارجُ الهمِّ، كاشفُ الغمِّ، مجيبُ دعوةِ المضطرينَ، وهذهِ عوائدهُ الجميلةُ، خصوصًا لأوليائهِ وأصفيائهِ؛ ليكونَ لذلكَ الوقعُ الأكبرُ، والمحلُّ الأعظمُ، وليجعَلَ (١) مِنْ المعرفةِ باللهِ والمحبةِ لهُ ما يُوازِنُ ويرجُحُ بما جرَى على العبدِ بلا نسبةٍ.

* ومنها: جوازُ إخبارِ العبدِ بما يجدُ، وما هوَ فيه من مرضٍ أو فقرٍ أو غيرِهما، على غيرِ وجهِ التسخطِ؛ لقولِ يعقوبَ: ﴿يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤]، وقولِ إخوةِ يوسفَ: ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ [يوسف: ٨٨]، وأقرَّهم يوسفُ.

* ومنها: فضيلةُ التقوى والصبرِ، وأنَّ كلَّ خيرٍ في الدنيا والآخرةِ فمن آثارِ التقوَى والصبرِ، وأنَّ عاقبةَ أهلِهما أحسنُ العواقبِ؛ لقولهِ: ﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٠].


(١) في (خ): ويحصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>