* ومنها: أنَّ استعمالَ الأسبابِ الدافعةِ للعينِ وغيرِها من المكارهِ، أو الرافعةِ لها بعدَ نزولِها؛ غيرُ ممنوعٍ، وإنْ كان لا يقعُ شيءٌ إلا بقضاءِ اللهِ وقدرهِ، فإنَّ الأسبابَ أيضًا من القضاءِ والقدرِ؛ لقولِ يعقوبَ: ﴿يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾ [يوسف: ٦٧] الآية.
* ومنها: جوازُ استعمالِ الحيلِ والمكائدِ التي يُتوصلُ بها إلى الحقوقِ، وأنَّ العلمَ بالطرقِ الخفيةِ الموصلةِ إلى مقاصدِها مما يُحمدُ عليهِ العبدُ، وأما الحيلُ التي يُرادُ بها إسقاطُ واجبٍ أو فعلُ محرَّمٍ فإنها محرمةٌ غيرُ نافذةٍ.
* ومنها: أنهُ ينبغِي لمن أرادَ أنْ يوهمَ غيرَهُ بأمرٍ لا يحبُّ بيانَهُ لهُ؛ أنْ يستعملَ المعاريضَ القوليةَ والفعليةَ المانعةَ لهُ من الكذبِ، كما فعلَ يوسفُ حينَ ألقَى الصواعَ في رحلِ أخيهِ، ثم استخرجَها منهُ موهمًا أنهُ سارقٌ، وليسَ في ذلكَ تصريحٌ بسرقتهِ، وإنما استعملَ المعاريضَ، ومثلُ هذا قولهُ: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ﴾ [يوسف: ٧٩]، ولم يقُلْ: مَنْ سرَقَ متاعَنا.
* ومنها: أنهُ لا يجوزُ أنْ يشهدَ إلا بما عَلِمَهُ وتحقَّقَهُ برؤيةٍ أو سماعٍ؛ لقولِهم: ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا﴾ [يوسف: ٨١]، وقولهِ: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: ٨٦].
* ومنها: هذهِ المحنةُ العظيمةُ التي امتحنَ اللهُ بها نبيَّهُ وصفيَّهَ يعقوبَ ﵇، إذْ قضَى بالتفريقِ بينَهُ وبينَ ابنهِ يوسفَ الذي لا يقدِرُ على فراقهِ ساعةً واحدةً، ويحزنهُ أشدَّ الحزنِ.
فتمَّ لهذهِ الفرقةِ مدةٌ طويلةٌ ويعقوبُ لم يفارِقِ الحزنُ قلبَهُ، ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٨٤]، ثم ازدادَ بهِ الأمرُ حينَ اتصلَ فراقُ الابنِ الثاني بالأولِ، وهوَ في ذلكَ صابرٌ لأمرِ اللهِ، محتسبٌ الأجرَ من اللهِ.