وأنَّ خيرَ الآخرةِ خيرٌ من ثوابِ الدنيا وملكِها، وأنهُ ينبغِي للعبدِ أنْ يدعوَ نفسَهُ ويشوِّقَها لثوابِ اللهِ، ولا يدعُها تحزنُ إذا رأتْ لذاتِ الدنيا ورياساتِها وهيَ عاجزةٌ عنها، بلْ يسلِّيها بالثوابِ الأخرويِّ؛ ليخفَّ عليها عدمُ حصولِ الدنيا، لقولِ يوسفَ: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يوسف: ٥٧].
* ومنها: أنَّ جبايةَ الأرزاقِ إذا أُريدَ بها التوسعةُ على الناسِ من غيرِ ضررٍ يلحقُهم لا بأسَ بهِ، بلْ ذلكَ مطلوبٌ؛ لأنَّ يوسفَ أمرَهم بجبايةِ الأرزاقِ والأطعمةِ في السنينَ المخصباتِ؛ للاستعدادِ بهِ للسنينَ المجدباتِ، وقدْ حصَلَ بهِ الخيرُ الكثيرُ.
* ومنها: حسنُ تدبيرِ يوسفَ لما تولَّى خزائنَ الديارِ المصريةِ من أقصاها إلى أقصاها، فنهضَ بالزراعةِ حتى كثرَتِ الغلالُ جدًّا، فصارَ أهلُ الأقطارِ يقصدونَ مصرَ لطلبِ الميرةِ منها عندما فقدُوا ما عندَهم؛ لعلمِهم بوفورِها في مصرَ، ومن عدلهِ وتدبيرهِ وخوفهِ أنْ يتلاعبَ بها التجارُ أنهُ لا يكيلُ لأحدٍ إلا مقدارَ الحاجةِ الخاصةِ أو أقلَّ،
لا يزيدُ كل قادمٍ على كيلِ بعيرٍ وحملهِ، وظاهرُ حالهِ هذا أنهُ لا يُعطِي أهلَ البلدِ إلا أقلَّ من ذلكَ بكثيرٍ لحضورِهم عندَهُ.