للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• ثم انظرْ إلى كثرةِ البراهينِ المنقولةِ والمعقولةِ والمحسوسةِ، الشاهدةِ للهِ بالوحدانيةِ.

ففي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ ** تدلُّ على أنهُ واحدُ

فوجودُ جميعِ الأشياءِ في العالمِ العلويِّ والسفليِّ، وبقاؤُها، وما هيَ عليهِ من الأوصافِ المتنوعةِ؛ كلُّ ذلكَ من الأدلةِ والبراهينِ على وجودِ مبدعِها ومعدِّها وممدِّها بكلِّ ما تحتاجُ إليهِ، ومَن أنكرَ هذا فقدْ باهتَ وكابرَ وأنكرَ أجلَى الأمورِ وأعظمَ الحقائقِ!

ومن هاهنا تعلمُ: أنَّ الماديينَ الملحدينَ أضلُّ الخلقِ وأجهلُهم، وأعظمُهم غرورًا واغترارًا؛ حيثُ اغترُّوا حينَ وقفُوا على بعضِ علومِ الكونِ الأرضيِّ الماديِّ الطبيعيِّ، وقفَتْ عقولُهم القاصرةُ عندَها، واستولَتْ عليهم الحيرةُ، وتكبرُوا بمعارفِهم الضئيلةِ، وقالوا: نثبتُ ما وصلَتْ إليهِ معارفُنا، وننفِي ما سواهُ!

فتعرفُ بهذا: أنَّ نفيَهم هذا جهلٌ وباطلٌ باتفاقِ العقلاءِ؛ فإنَّ مَنْ نفَى ما لا يعرفهُ فقدْ برهَنَ على كذبهِ وافترائهِ، فكما أنَّ مَنْ أثبتَ شيئًا بلا علمٍ فهوَ ضالٌّ غاوٍ، فكذلكَ من نفَى شيئًا بلا علمٍ.

وتعرفُ أيضًا: أنَّ إثباتَهم لعلومِ الطبيعةِ التي عرفُوها وانتهَتْ إليها معارفُهم، أنَّ هذا الإثباتَ منهم قاصرٌ لم يصلُوا إلى غايتهِ وحقيقتهِ، فلم يصلوا بذلكَ إلى خالقِ الطبيعةِ ومبدعِها، ولم يعرفوا المقصودَ من نظامِها وسببيتِها؛ بلْ عرفوا ظاهرًا منها، وهم عن النافعِ غافلونَ، فأثبتُوا بعضَ السببِ وعمُوا عن المقصودِ، وهم في علمِهم هذا حائرونَ، لا تثبتُ لهم قدمٌ على أمرٍ من الأمورِ، ولا تثبتُ لهم نظريةٌ صحيحةٌ مستقيمةٌ، فهمُ دائمًا في خلطٍ وخبطٍ وتناقضٍ، وكلما جاءَهم من البراهينِ الحقِّ ما يبطلُ قولَهم قالوا: هذا من فلتاتِ الطبيعةِ، وكلما برزَ مبرزٌ من فحولِهم وأذكيائِهم ابتكرَ لهُ طريقةً

<<  <  ج: ص:  >  >>