* فجميعُ الحقائقِ التي دعَا إليها هذا الرسولُ وهذا القرآنُ حقائقُ ثابتةٌ، نافعةٌ للعبادِ، لا يأتي من الحقائقِ ما يُغيِّرُها، ومحالٌ أنْ يأتيَ شيءٌ أصلحُ منها أو مثلُها أو يقاربُها: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠].
* ومن كمالِ علمهِ وقدرتهِ: أنهُ لوْ تقوَّلَ عليهِ أحدٌ بمثلِ هذهِ المقالةِ لعاجَلَهُ بالعقوبةِ، فلما أيَّدَ مَنْ جاءَ بها بنصرهِ وحججهِ، وأرَى العبادَ آياتهِ في الآفاقِ وفي أنفسِهم، التي يتبينُ بها أنهُ الحقُّ، وما سواهُ ضلالٌ - عُلِمَ بذلكَ أنَّ هذا الرسولَ أصدقُ الخلقِ وأنصحُهم وأبرُّهم وأعلمُهم وأخشاهم وأتقاهم لربِّهِ، وأنَّ أعداءَهُ المكذبينَ لهُ أكذبُ الخلقِ وأغشُّهم، وأعظمُهم جهلًا وضلالًا وغيًّا وفسادًا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
* ومن مكابرةِ أعداءِ الرسولِ: أنهم جعلُوا يتناقضونَ في مقالاتِهم، ويتفنَّنونَ في إفكِهم المكشوفِ كذبُهُ، فمنهم مَنْ قالَ: إنهُ مجنونٌ، ومنهم مَنْ قالَ: ساحرٌ وكاهنٌ، ومنهم مَنْ قالَ: مسحورٌ، ومنهم من قالَ: لوْ كانَ صادقًا لجاءَتِ الملائكةُ تؤيدهُ، ولوْ كانَ صادقًا لأغناهُ اللهُ عن المشيِ في الأسواقِ، وجعلَ لهُ جناتٍ وأنهارًا وأموالًا كثيرةً!
وكلٌّ يعلمُ أنَّ هذهِ الأقوالَ -معَ تناقضِها- ليستْ من الشُّبهِ، فضلًا عن كونِها من الحججِ؛ ولهذا قالَ تعالى معجِّبًا: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩)﴾ [الفرقان: ٩].
ومثلُ هذهِ الأقوالِ التي يذكرها اللهُ عن المكذبينَ للرسولِ هيَ بنفسِها تدلُّ على كذبِهم ومكابرتِهم قبلَ أنْ يُعرَفَ بطلانُها من الأدلةِ الأخرى، وإذا وَزنتَ هذهِ الأقوالَ الجاريةَ من الأولينَ رأيتَ نظيرَها وأقبحَ منها جاريةً من الملاحدةِ المتأخرينَ، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)﴾ [التوبة: ٣٢ - ٣٣].