للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاغَها هؤلاءِ المكذبونَ بعبارةٍ موَّهوها، وظنُّوا أنها بهذا التمويهِ تروجُ؛ فزعموا -وما أسمجَهُ وأكذبَهُ من زعمٍ! - أنَّ محمدًا كانَ يتعلَّمُ من نفسِهِ، وأنهُ كانَ يخلُو بالطبيعةِ: السماءِ والأرضِ والشمسِ والقمرِ والنجومِ، فيعطِيها لبَّهُ، ويناجِيها بقلبهِ، فيُخيَّلُ إليهِ أصنافُ التخاييلِ، فيأتِي بها إلى الناسِ زاعمًا أنها من وحيِ اللهِ على يدِ جبريلَ، وأنَ هذهِ التخيلاتِ من الأمورِ العاليةِ التي يعتادُ الإتيانُ بها أهلُ الرأيِ والحِجَا.

ولما رأَوا آثارَها (١) الجليلةَ في الإسلامِ وأهلهِ، وتعاليمَهُ وتقويمَهُ للأممِ، وبهرَهم هذا النورُ العظيمُ لجاؤُوا إلى هذا التحذلقِ، الذي منتهاهُ وغايتهُ أنهم صوَّرُوا النبيَّ ورقَّوهُ إلى رجلٍ من الطبيعيينَ، كما قالَ هذا القولَ الباطلَ أحدُ ملاحدةٍ الإفرنسيين، وتلقاها عنهُ بعضُ الملاحدةِ العصريينَ، وهوَ مبنيٌّ على إنكارِ وجودِ ربِّ العالمينَ، وأنهُ ما ثَمَّ إلا عملُ الطبيعةِ!

وقدْ عَلِمَ الناسُ أنَّ هذا القولَ المزورَ أعظمُ مكابرةً ومباهتةً من قولِ الأولينَ، وأنَّ هذا الافتراءَ الذي ولَّدوهُ بعدَ مئاتِ السنينَ أوضحُ ضلالًا وظلمًا وجراءةً ووقاحةً من زُورِ الأولينَ، وأنَّ هؤلاءِ الأراذلَ الذينَ أُعجبُوا بآرائِهم وتاهُوا بعقولِهم قدْ بيَّنَ اللهُ كذبَهم فيما قالوهُ، وأنَّ عقولًا ولَّدتْ هذهِ الأقوالَ المؤتفكةَ، والخيالاتِ الفاسدةَ، والمقالاتِ الفاسدةَ - لعقولٌ سافلةٌ، وآراءٌ ساقطةٌ، يُعرَفُ فسادُها بنتائجِها، ومكابرتِها وإنكارِها أجلَى الحقائقِ؛ ولهذا قالَ تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الفرقان: ٦]، فالربُّ القادرُ العظيمُ، الذي أحاطَ علمُهُ بجميعِ الأسرارِ، وعلمَ أحوالَ العبادِ حاضِرَها ومستقبلَها، فأنزلَهُ لهدايتِهم، وجعلَهُ منارًا وعلمًا يهتدِي بهِ المهتدونَ في كلِّ وقتٍ وحينٍ.


(١) أي: آثار رسالة النبي محمد .

<<  <  ج: ص:  >  >>