وكلُّ شبهةٍ يدلونَ بها في معارضةِ الرسولِ من حينِ يوجَّهُ لها النظرُ الصحيحُ تضمحلُّ وتزهقُ، ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١].
* ومن جراءتِهم أنهم قالوا: إنَّ هذا القرآنَ الذي جاءَ بهِ محمدٌ ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا﴾ [الفرقان: ٥] من كتبِ الأولينَ المسطورةِ، ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾، فيا ويحَهم! مَنْ الذي عندَهم في بطنِ مكةَ يُملِيها؟! وهلْ يوجدُ في ذلكَ الوقتِ في مكةَ أو ما حولَها كتبٌ تُملَى؟! ولو فُرِضَ وقُدِّرَ أنهُ يوجدُ أحدٌ، لِمَ يختصُّ محمدٌ وحدَهُ بالأخذِ عنهُ؟!
* ولما كانتْ هذهِ مقالةَ زورٍ وافتراءٍ لا يخفى كذبُها على أحدٍ تشبَّثوا وقالوا: كانَ محمدٌ يجلسُ إلى قَيْنٍ حدَّادٍ في مكةَ فارسيٍّ فيتعلَّمُ منهُ؛ فلهذا قالَ اللهُ عنهم: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)﴾ [النحل: ١٠٣]: بالغٌ في البيانِ والبلاغةِ نهايتَها وغايتَها، فلا يمكنُ الجمعُ بينَ النقيضينِ:
* أنْ يتعلمَهُ مِنْ هذا الأبكمِ أعجميِّ اللسانِ، الذي لم يُعرَفْ عنهُ علمٌ يُرجَعُ إليهِ، ولا معرفةٌ يَتميزُ بها.
* وهذا القرآن الذي جاءَ بهِ معَ كمالِ بلاغتهِ حوَى علومَ الأولينَ والآخرينَ.
* ولما كانَ هذا القولُ الذي قالوهُ والمكابرةُ التي تجرؤُوا عليها قدْ عَلِمَ الموافقُ والمخالفُ كذبَها وافتراءَها، وكانَ جميعُ أعداءِ الرسولِ لهم ورثةٌ يقومونَ بالعداوةِ للرسولِ والدينِ، ويعطونَها حقَّها ولوْ جلبَتْ عليهم ما جلبَتْ مِنْ الدخولِ في الكذبِ والافتراءِ والمكابرةِ، وقدْ عَرَفَ هؤلاءِ الأعداءُ المتأخرونَ مكابرةَ إخوانِهم الذينَ باشروا تكذيبَ الرسولِ، ورأَوا أنَّ مقالتَهم قدْ بطلَتْ واضمحلَّتْ، وبانَ زورُها لكلِّ أحدٍ؛