للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢ - بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)[القلم: ١ - ٧].

* يُقسِمُ تعالى ب (القلم)، وهوَ اسمُ جنسٍ شاملٌ للأقلامِ التي تُكتبُ بها أنواعُ العلومِ، ويُسطرُ بها المنثورُ والمنظومُ؛ وذلكَ أنَّ (القلمَ) وما يسطرُ بهِ من أنواعِ الكلامِ من آياتهِ العظيمةِ التي تستحقُّ أنْ يقسمَ بها على براءةِ نبيهِ محمدٍ مما نسبَهُ إليهِ أعداؤهُ من الجنونِ، فنفى عنهُ ذلكَ، بنعمةِ ربهِ عليهِ وإحسانهِ؛ إذْ مَنَّ عليهِ بالعقلِ الكاملِ، والرأيِ السديدِ، والكلامِ الفصلِ الذي هوَ من أحسنِ ما جرَتْ بهِ الأقلامُ وسطرَهُ الأنامُ، وهذا هوَ السعادةُ في الدنيا.

* ثم ذكَرَ سعادتَهُ في الآخرةِ فقال: ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: لأجرًا عظيمًا -كما يفيدهُ التنكيرُ- غيرَ مقطوعٍ، بلْ هوَ دائمٌ متتابعٌ مستمرٌّ؛ وذلكَ لِما أسلفَهُ من المقاماتِ العاليةِ في الدينِ والأخلاقِ الرفيعةِ؛ ولهذا قالَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ فعَلَا بخلُقهِ العظيمِ على جميعِ الخَلْقِ، وفاقَ الأولينَ والآخرينَ.

* وكانَ خلُقُهُ العظيمُ -كما فسرَتْهُ بهِ عائشةُ هذا القرآنَ الكريمَ، وذلكَ نحوُ قولهِ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)[الأعراف: ١٩٩]، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩] (١)، ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)[التوبة: ١٢٨]، وما أشبهَهَا من الآياتِ الدالاتِ على اتصافهِ


(١) بعدها في (خ): الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>