للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثم بعدَ ما أمرَ بالقيامِ بحقِّ اللهِ المقدمِ على كلِّ حقٍّ، أَمَرَ بالقيامِ بحقوقِ ذوي الحقوقِ من الخلقِ، الأهمِّ فالأهمِّ، فقالَ: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أي: أحسنُوا إليهم بالقولِ الكريمِ، والخطابِ اللطيفِ، وبالفعلِ: بالقيامِ بطاعتِهما، واجتنابِ معصيتِهما، والحذرِ من عقوقِهما، والإنفاقِ عليهما، وإكرامِ مَنْ لهُ تعلقٌ بهما، وصلةِ الرحمِ التي لا رحمَ لكَ إلا من جهتِهما، ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾.

والأمرُ بالإحسانِ إلى الوالدينِ وإطلاقُهُ يدخلُ فيه كلُّ ما عدَّهُ الناسُ إحسانًا، وذلكَ يختلفُ باختلافِ الأوقاتِ والأحوالِ والأشخاصِ. وفيهِ: النهيُ عن ضدِّ الإحسانِ إليهما، وهوَ أمرانِ:

* الإساءةُ والعقوقُ الذي هوَ: إيصالُ الأذَى القوليِّ والفعليِّ إليهما، وتركُ القيامِ ببعضِ حقوقِهما الواجبةِ.

* والأمرُ الثاني: تركُ الإحسانِ وتركُ الإساءةِ، فإنَّ ذلكَ داخلٌ في العقوقِ، فلا يسعُ الولدُ أنْ يقولَ: إذا قمتُ بواجبِ والديَّ وتركتُ معصيتَهما فقد قمتُ بحقِهما، فيقال: بلْ عليكَ أنْ تبذلَ لهما من الإحسانِ الذي تقدرُ عليهِ ما يجعلُكَ في مرتبةِ الأبرارِ البارِّينَ بوالدَيْهم.

* وقولُهُ: ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ بيانٌ لبعضِ الأسبابِ الموجبةِ للبرِّ، وأنَّ الوالدينِ اشتركَا في تربيةِ بدنِكَ وروحِكَ بالتغذيةِ والكسوةِ والحضانةِ والقيامِ بكلِّ المؤنِ، وبالتعليمِ والإرشادِ والإلزامِ بطاعةِ اللهِ والآدابِ والأخلاقِ الجميلةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>