للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ}.

قال قتادة: (قد قال مشركو العرب: {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} أي: بمبعوثين). يقال: أنشر اللَّه الموتى، ونشرهم إذا بعثهم.

والمعنى: أن هؤلاء مشركي قومك يا محمد يكذبون بالنشور بعد الموت والثواب والعقاب.

وقوله تعالى: {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. خطاب من المشركين لمن يعدهم النشور من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين.

قال النسفي: (أي إن صدقتم فيما تقولون فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلًا على أن ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق).

وقوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.

أي: أهم خير في القوة والمنعة أم قوم تبّع الحميري ومن مضى قبلهم من الأمم القوية المتجبرة دمّرهم اللَّه ودكّ عروشهم بإجرامهم وكفرهم بالبعث والحساب.

قال قتادة: (ذُكر لنا أن تُبَّعًا كان رجلًا من حمير، سار بالجيوش حتى حير الحيرة، ثم أتى سمرقند فهدمها. وذُكر لنا أنه كان إذا كتب كتبَ باسم الذي تسمّى وملك برًّا وبحرًا وصحًا وريحًا. وذُكر لنا أن كعبًا كان يقول: نُعِتَ نَعْتَ الرَّجُل الصالح ذمَّ اللَّه قومه ولم يذمه. وكانت عائشة تقول: لا تسبّوا تُبَّعًا، فإنه كان رجلًا صالحًا).

وقوم تبّع -هم سبأ- أهلكهم اللَّه وخرّب بلادهم وشرّدهم في البلاد، وفرقهم شذَر مذَر، وقد شبههم اللَّه في إنكارهم للمعاد بقريش، فقد كانوا عربًا من قحطان، وهؤلاء عربٌ من عدنان. وقد كانت حِمير -وهم سبأ- كلما ملَكَ فيهم رجلٌ سَمَّوه تُبَّعًا، كما يقال: كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر كافرًا، والنجاشي لمن ملك الحبشة، ونحو ذلك.

ولكن يبدو أن تبعًا أسلم فجاءه المدح في السنة الصحيحة وبقي الذم لقومه. فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>