للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لا يتعدى دور ساعي البريد الذي نقل إليهم التراث اليوناني. أما العربي فلم يأتِ بجديد ولم يحقق رسالة. إن النهضة العلمية الحديثة كشفت الغطاء عن حضارات الشرق القديم، وبخاصة مصر وبابل وأشور، ولم يعد سرًا أن مصر هي الوطن الذي بزع فيه فجر الضمير وأن هذا الشرق العربي القديم هو وطن الوحي ومبعث الفنون والعلوم والآداب. وإذا ما انتقل الباحث إلى بيزنطة ليقفز منها إلى المسيحية في العصور الوسطى، فالعصور الحديثة، ازداد شكه في اليونان وروما وأيقن أن أوربا بأثينا وروما لا تستحق كل هذه العناية، وأن ما يحاول المغرضون خلعه عليها ما هو إلا سراب لا يقوى على البقاء أمام شمس الشرق العربي إذا ما سطعت وبددت ضباب الغرب وسحابه ومطره وثلوجه. إنها سبة أن يعلم أهل العلم من الأوربيين أن العرب أصحاب نهضة علمية لم تعرفها الإنسانية من قبل، وأن هذه النهضة فاقت كثيرًا ما تركه اليونان أو الرومان ولا يقررون هذا. إن العرب ظلوا ثمانية قرون طوالا يشعون على العالم علمًا وفنًا وأدبًا وحضارة، كما أخذوا بيد أوربا وأخرجوها من الظلمات إلى النور، ونشروا لواء المدنية أنى ذهبوا في أقاصي البلاد ودانيها سواء في آسيا وإفريقيا أو أوربا، ثم تنكر أوربا على العرب الاعتراف بهذا الفضل.

إن المذاهب الإنسانية الحديثة أصبحت غير مذاهب العصور الوسطي، وشعار الأوربي اليوم محاولة فهم عدو الأمس وتحويله إلى صديق، وذلك بالاعتراف له بمكانته العالمية وما أسداه للأوربيين وغيرهم من معرفة وألا يسعى الأوربي جاهدًا إلى طمس هذه المكانة وإخفاء معالمها.

إن موقف أوربا من العرب منذ نزول الوحي المحمدي موقف عدائي بعيد كل البعد عن الإنصاف والعدالة، والتاريخ وقتذاك كان يملى ويصنع، والمملي لم يكن الضمير بل التعصب الأعمى. إن مثل هذا الوضع كان مفهومًا في عصر كان فيه الشعور السائد هو إغماط حق كل فرد يخالف الأوربيين عقائديًا، ومما يؤسف له حقًا أن هذه النظرة القديمة التي كان مبعثها الظن في أن الاعتراف للعربي بالفضل خطر يهدد العقيدة المسيحية، ما زالت قائمة حتى اليوم والتعصب الديني ما زال

<<  <   >  >>