وحدث عام ١٩٤٥ م أن عثر رهبان دير في «أوفرني» أمام باب الدير على طفل حديث الولادة ملفوف في قطعة من القماش ولا يعرف أحد والديه؛ فأخذه الرهبان وتولوه بعنايتهم وأسموه «جربرت» فنشأ تحت رعاية الدير حتى كبر وترعرع في الدير المسمى «أوريلاك». وحدث لما بل العشرين أن زار الدير المارك جراف «بوريل» البرشلوني فلفت نظره ذكاء جربرت، وصرح رئيس الدير له بمرافقة الجراب إلى بلده الواقع على الجانب الآخر من جبال البرنات.
والجدير بالذكر أن هذا المارك جراف الأسباني كان كغيره من أمراء الأسبان قد غامر أكثر من مرة في حرب ضد أمراء العرب وخرج منها جميعها مهزومًا ومدحورًا، وانتهى أمره كما انتهى أمر سائر الأمراء المسيحيين الذين سلكوا مسلكه أمثال أمراء:«كستيليا» و «ليونز» و «نافاراس»، واضطر الجراف كما اضطر أولئك إلى إرسال رسل إلى أمراء المسلمين في قرطبة طالبًا الصلح.
وشارك الأمراء المسيحيين سوء العاقبة الأسقف «هتو» معلم «جربرت»؛ فقد أصابه ما أصاب غيره من ويلات الحروب فاضطر أن يخنع ذليلًا حقيرًا أمام «الحكم» الثاني واضطر نيابة عن سيده أن يرجو الخليفة هدم جميع الحصون والقلاع القائمة على الحدود الأندلسية، وبهر «هتو» ما شاهده من أبهة وعظمة القصر الملكي الذي يكاد يشبه قصور القصص؛ لذلك طالما ألح «جربرت» على «هنتو» أن يقص عليه من أخبار المسلمين وحياة هذا الأمير المسلم الذي لم يكن عالمًا فحسب بل كان أيضًا محاربًا جبارًا ومؤرخًا عظيمًا. ولم يبخل هذا العالم الكهنوتي على «جربرت»