إذا فكر العربي في الأندلس، وإذا حلم بجنة الأرض، فإنما يقصد الأندلس إبان حكم عبد الرحمن الثالث، فإن هذا الأمير الذي أهداه الله إلى الأندلس، كان المثل الأعلى للحاكم فنجح وخلق من أمة متفككة الأوصال? عن طريق الدين والجنس? شعباً قوياً، أصبح في خمسين عاماً شعباً نابعاً متسامحاً سياسياً وفي طليعة شعوب العالم المتمدين.
وبدهي أن الحياة السياسية حتى ذلك العصر كانت متقلبة، وكذلك كان الخلاف قائماً في الداخل بين المفكرين الأحرار وبين المحافظين المتزمتين، لكن كل هذا لم يحل دون ازدهار الحضارة وتطورها.
كذلك الحالة الاقتصادية في البلاد، فقد أينعت وازدهرت؛ وذلك بفضل نشاط العرب وتجاربهم في الزراعة والري. فالعين العربية المجربة تبينت الكنوز المطمورة في الأرض التي يجب استخراجها والاستفادة منها لرفع مستوى البلاد والنهوض بها. فقد حفر العرب الآبار وزودوها بروافع المياه والسواقي التي يبلغ اتساعها نحو عشرين أو ثلاثين متراً وكانوا يحصلون على الماء من الجبال ويجمعونه في أحواض كبيرة يمتد الحوض منها نحو خمسة كيلو مترات، ومن ثم كانوا يجرون المياه في قنوات كبيرة إلى الأراضي، حيث تخزن في أحواض ثم تصرف منها في الحقول، وهكذا نجح العرب في إرواء الأراضي الجافة الجرداء حتى التلال وأعالي الجبال وجوانبها فسطحوها ورووها وزرعوها، كما تلقى الفلاحون دروساً في زراعة