من خطل الرأي أن ننظر إلى أوربا على أنها هي وهي فقط العالم الحديث، ومن الحماقة أن نقول: إن تاريخ أوربا هو تاريخ هذا العالم؛ وذلك لأنه مما لا شك فيه أنَّ سائر القارات التي يتكون منها عالمنا هذا ساهمت وتساهم في تكييف الأحداث العالمية التي تخضع لها شعوب المعمورة، ويكفي أن ننظر إلى خريطة عالمنا هذا في العصور الوسطى لنرى كيف يحاصر البحر المتوسط جنوب القارة الأوربية، ويخضعها للسلطان الثقافي لأثينا وروما. أما اليوم فقد شاء الله أن تزول هذه الغشاوة عن أعيننا وأن يتسع صدرنا للحقيقة فلا نغمط الشعوب الأخرى التي ساهمت في إيقاظ الوعي الإنساني وبعث ثقافة إنسانية رفيعة أثرت وتؤثر حتى يومنا هذا لا في أوربا فقط بل في مختلف أرجاء العالم المتحضر. وشاء الله أن يظهر من الأوربيين من يجرؤ وينادي بهذه الحقيقة فلا نغمط العرب حقهم في أنهم حملوا رسالة عالمية، وأدوا خدمة إنسانية للثقافة البشرية قديمًا وحديثًا. إن هذا النفر من الأوربيين المنصفين لا يأبه لتحدي أولئك المتعصبين الذين أعمارهم تعصبهم الديني فحاولوا جهد طاقاته طمس معالم هذه الحضارة العربية أو التقليل من شأنها.
إن أوربا تدين للعرب وللحضارة العربية، وإن الدَّين الذي في عنق أوربا وسائر القارات الأخرى للعرب كبير جدًا، وكان يجب على أوربا أن تعترف بهذا الصنيع منذ زمن بعيد، لكن التعصب الديني واختلاف العقائد أعمى عيوننا وترك عليها غشاوة حتى إننا نقرأ ثمانية وتسعين كتابًا من مائة فلا نجد فيها إشارة لفضل العرب وما أسدوه إلينا من علم ومعرفة، اللهم إلا هذه الإشارة العابرة إلى أن دور العرب