لقد قضى على الثقافة اليونانية واختفت منذ عهد «حنيبعل = هنيبال» إلا أن قيام الإمبراطورية ساعد على المحافظة على بقائها شكلا وإن كانت الثقافة الهلّينية بدت في هذه الدولة التي آذنت بزوال وكأنها ثوب فضفاض لا يلائمها، فنجد التنافر والتشاحن بين هذه الثقافة وبين مختلف الأجهزة القائمة، ثم جاء الغزو الألماني فلم يقض إلا على ما يتصل بالأخلاق وكان آيلا للسقوط حقًا. ثم إن الطبقات الراقية العالية أصبحت لا تشعر بحاجة إلى العلم والثروة العلمية. كما أن الهدف الجديد الذي طمعت المسيحية في تلقينه للفكر البشري وتحقيقه قضى على القيم العلمية والثقافية ومختلف أنواع البحوث، ولو أنها جميعها لم تجد في روما موئلا حقيقيًا لها، لذلك انهارت الطبقات المثقفة وتلاشت العلوم والمعارف. كذلك أصبحت ثقافات البحر الأبيض المتوسط مهددة بضربة قاصمة ومصير لا يختلف عن مصير حضارات ألانكا والمايا، ما لم تجد الشعوب الموهوبة القدرة الكافية على الخلق والإنشاء فتبعث هذه الثقافات بعثًا جديدًا.
وقبل العرب بقرنين سنحت لأوربا الفرصة للبناء على أنقاض هذه الثقافات البائدة، وبالرغم من ذلك ذهبت عشرة قرون حتى استطاعت أوربا التخلص من قائمة الشعوب المتخلفة وبلوغ مرحلة التحرر في الخلق والإنشاء بالرغم من أنها بدأت بخطوات تبعث على الأمل.
فللمرة الأولى إبان الثلاثة والثلاثين عامًا التي حكم فيها ثيودريش الأكبر الذي اتصف بالعدل والحكمة تطورت المسائل التي كانت مهددة بالزوال إلى النجاح