إن اضطراب الهضم الذي قاسى منه الخليفة المنصور زمنًا طويلًا، والصداع الدائم الذي أصاب بعد ذلك بعشرين عامًا الخليفة هارون الرشيد دفعا إلى التفكير في إيجاد وسيلة للشفاء، لذلك خرجت أفراس البريد مرتين من قصر الخليفة ببغداد وقطعت نحو خمسمائة كيلو متر متجهة إلى أسافل دجلة ثم انحرفت شرقًا مخترقة البادية إلى جنديسابور بالقرب من الخليج العربي لإحضار مدير مدرسة الطب الساسانية القديمة، وكان من الأطباء ذوي الشهرة البعيدة، فأسرة بختيشوع كانت من الأسر العريقة في الدراسات الطبية حيث مارس أفرادها أجيالا وأجيالا هذه المهنة كما تولوا تباعًا تطبيب الخلفاء. ومن هؤلاء الأطباء وصلت المعرفة اليونانية التي كانت سائدة ومنتشرة في جنديسابور، ولم يقتصر الأمر على الطب اليوناني فنحن نجد الطب الهندي يشق طريقه إلى دار الخلافة أيضًا وذلك على يد الطبيب الهندي «منكاه» ومواطنه «صالح بن بهلة» الذي أعاد الحياة إلى عم الخليفة هارون الرشيد بعد أن اعتقد القوم أنه فارقها. ودخلت قصر الخليفة من هذين العالمين كتب الطب الهندية كذلك فنافست غيرها، ومع مرور الزمن أخذت تؤدي رسالتها.
وبعد قرن من الزمن نجد العرب يلمون بسائر أنواع المعارف من يونانية وهندية وسريانية وفارسية، ولما نزح الرازي لأول مرة عام ٨٨٠ م إلى بغداد وجد الطريق سهلا معبدًا أمامه، فمختلف المراجع الطبية القديمة قد نقلت إلى العربية ونقحت واستكملت، هذا مع الإشارة إلى المجهودات العظيمة التي بذلها العلماء العرب في الطب وقتذاك وبخاصة أمثال: الكندي والكناني ويحيى بن ماسويه وأفراد أسرتي