إن الرجل الذي ترك السفينة في الجزيرة في ديسمبر ٨٢٢ م، وهذه السفينة التي نقلته من «كويتا» وعبرت المضيق، مضيق جبل طارق، قد استرعي انتباه سائر ركاب السفينة، فقد كان يرتدي قبعة مدببة القمة من الفراء الغالي تغطي شعر رأسه المستدير الذي كان يكسو جبهته ويتدلى حتى حاجبيه بعيداً عن الأذنين والرقبة، وقد كانت له لحية مهذبة مصبوغة باللون الأحمر وله عينان لامعتان مكتحلتان تشعان ذكاء ويقظة وتفوح منه رائحة عطرية ومعه زوجه الشابة وحولهما أطفال يتصايحون، وبعد شهرين تبين أنه المغني البغدادي الشهير وقد امتطى صهوة بغل مطهم يحيط به بعض موظفي القصر في قرطبة.
ولم يكن صاحبنا في حاجة لأن يهاجر من العاصمة الشرقية، فقد غمره هارون الرشيد بعطفه وشمله بإحسانه، لكن الحقد والحسد والغيرة هدمت سعادة «زرياب» وقوضت عشه، فأستاذه إسحق بن إبراهيم الموصلي، الذي استطاع بمدرسته الموسيقية مضايقة المنتدى الموسيقى في الكوفة، كان لا يعلم الغناء للجواري الحسان فقط، بل يهتم بتخريج الموسيقيين من الجنسين راجياً من وراء هذا أن ينال حظوة عند الخليفة.
فالشاب الكردي الموصلي كان يمتاز بعادات حسنة جداً، فقد كان يجيد النكتة والحديث إلا أن زرياب إلى جانب لسانه الزلق كان له تفكيره الخاص وكان مثله مثل أستاذه عظمة واعتداداً بالنفس. ولو أنه كان ينوء تحت أعباء مسئوليات جمة. سأله