للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[شعب من الشعراء]

إن الذي يسير في أمسيات الصيف الحارة في مرج الفضة، وقد سلط عليه القمر أضواءه الفضية، يقع بصره على شابين مرحين، فهنا نجد السكان، سكان إشبيلية، يبحثون عن أماكن اللهو أو يسيرون في المتنزهات، وقد أهداها الندى نسيماً عليلاً على طول الوادي الكبير، إلا أن أحداً لا يفكر في أن أحد الشابين الذي يرتدي ثياباً حريرية مهفهفة هو أبو القاسم محمد، ملك المستقبل.

فهذا الأمير المرح المحبب إلى النفوس كان يجد لذة في الاختلاط بمختلف طبقات الشعب متنكراً يرافقه صديقه الذي كان يكبره بتسعة أعوام، وهو ابن عمار. وكان ولي العهد يحب هذا الصديق حباً شديداً، لأن ابن عمار كان يجيد الشعر إجادة تامة ولم يكن ليتميز عليه في الأندلس في صناعة الشعر إلا ابن زيدون العظيم. وبالرغم من أن ابن عمار كان فقيراً جداً، إلا أنه كان مغامراً، لذلك استولى بشعره على قلب الأمير الذي كان أيضاً شاعراً، وطالما تنافسا في قرضه والمطارحة، كان يقول أحدهما بيتاً ويقول الآخر بيتاً يتفق والأول عروضاً وقافية.

ويوماً كانا يسيران يمرحان ويتمتعان باستنشاق هذا النسيم العليل، وقد هب على الشاطئ فحرك سطح الماء وهز الأمواج كرقائق الفضة. فقال المعتمد لصديقه الشاعر: أجز: «صنع الريح من الماء زرد» فأطال ابن عمار الفكرة، ولم يكن في نظمه للشعر من أوتوا البديهة الحاضرة، وكانت امرأة من الغسالات على مقربة منهما، وسمعت ما قاله المعتمد لابن عمار، ولما عجز الأخير عن الإجابة قالت المرأة على البديهة: «أي درع لقتال لو جمد».

<<  <   >  >>